5 فبراير 2016

قاد وأسس أول فرقة ومعهد موسيقي في صنعاء




د. محمد بركات:

الأغنية الهابطة لا تقل خطورة عن التطرف والعنف والإرهاب

أحمد الأغبري - مجلة دبي الثقافية


   تزخر اليمن بثروة غنائية هائلة لكنها مهددة بمخاطر جمة فهي غير موثقة، وقبل ذلك توقف تطورها النوعي عند أجيال المؤسسين وبقي جيل الشباب يجتر أغاني الرواد وبطرق لا تقدم جديداً، بقدر ما تمارسه من تشويه للتراث، بالإضافة إلى ذلك لم تلق الأغنية اليمنية حظها من الدراسة، باستثناء دراسات معدودة نتيجة قلة وندرة الباحثين الموسيقيين في البلاد.

الفنان الدكتور محمد بركات

    بالإضافة إلى ذلك لم تلق الأغنية اليمنية حظها من الدراسة باستثناء دراسات معدودة نتيجة قلة وندرة الباحثين الموسيقيين في البلاد في ظل افتقاد وزارة الثقافة لبرامج احتضان المبدعين وصناعة النجوم، وقبل هذا وذاك، غياب المؤسسات التعليمية المتخصصة في العاصمة باستثناء معهد متوسط في عدن وكلية للفنون الجميلة في جامعة الحديدة غرب اليمن تضم في هيئتها التدريسية عدداً من الباحثين والفنانين، منهم الفنان الدكتور محمد علي بركات رئيس قسم التربية الموسيقية بالكلية منذ عام 2010م، والدكتور بركات هو مؤسس لأول معهد للموسيقا بصنعاء ومدرس فيه 1982م – 1992 م (لم يعد المعهد قائماً)، كما أنه مؤسس ومدير لمعهد الموسيقا الأهلي في عام 1983م (لم يعد قائماً)، وأول قائد للفرقة الوطنية للموسيقا والإنشاد بصنعاء.

   الفنان محمد بركات مطرب وملحن وعضو مؤسس للمسرح الوطني اليمني، وأحد مؤسسي نقابة الفنانين اليمنيين، وباحث في الموسيقا والفنون الشعبية، وحاصل من أكاديمية الفنون بمصر على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وله عدد من المؤلفات والأبحاث وألحان وأعمال غنائية متعددة الأشكال والمواضيع، وتسجيلات إذاعية وتلفزيونية موسيقية وغنائية في عدد من البلدان…وينتمي إلى جيل يمكن وصفه بجيل المؤسسين.. نناقش معه هنا واقع الأغنية اليمنية اليوم، حيث تعاني من الجمود والاجترار وانحصار شهرتها في عدد من الفنانين الذين ينتمون إلى ما يمكن وصفه بـ (جيل الكبار)، فيما بقي جيل الشباب كأنه عاجز عن تقديم إضافات نوعية…في ظل تراجع الدور الرائد الذي كان لمدينة عدن في تطوير الأغنية في هذا البلد.

     يعتقد الفنان محمد بركات أن «للواقع المعاش في اليمن خلال العقدين الماضيين سواء الواقع السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي، تأثيراته الفاعلة في بلورة واقع الأغنية اليمنية، وواقعها اليوم يعتبر انعكاساً لكل ذلك، ولما صاحب تلك الفترة من متغيرات في مختلف الجوانب الحياتية، يضاف إليها المتغيرات الخارجية القادمة عبر وسائل الاتصالات المختلفة، الفضائيات والشبكة العنكبوتية (الإنترنت)، والتسجيلات الصوتية والمرئية وغيرها».
    كما يرى أن التطور الذي يمكن القول معه إن الأغنية اليمنية حققت التطور في العقدين الماضيين إنما هو تطور شكلي محدود، مشيراً إلى ما اعتبره الإنتاج الغث الذي ملأ الساحة.. قائلاً: يظل الواقع المحلي له التأثير الغالب على مستوى الأغنية شكلاً ومضموناً، وإن افترضنا أن هناك تطوراً لهذا الشكل الإبداعي خلال تلك الفترة بالتحديد، فهو تطور شكلي محدود تجلى في استخدام بعض الأساليب الحديثة للتسجيلات سواء الصوتية أو المرئية، التي للأسف لم تُوظف بالشكل المطلوب، أما من ناحية المضمون فهناك أعمال فنية واجتهادات فردية قيّمة، وتعتبر إضافة إبداعية لما تمتلكه اليمن من ثروة فنية غنائية رائعة للأجيال المتعاقبة من الفنانين الرواد، لكن تلك الأعمال محدودة مقارنة بالإنتاج الغث الذي ملأ الساحة أرضاً وفضاء.
    ويوضح الدكتور محمد بركات أن هذا الإنتاج الغنائي الشبابي يتركز في جانبين، الأول: إنتاج شبيه بما يقدمه بعض الشباب في البلدان العربية من أعمال متدنية المستوى اعتمدت على الإيقاعات وآلة (الأورج) وما شابهها، وأغفلت بقية المكونات الأساسية للأغنية. وما أسهم في وجود ذلك التدني والإسفاف غالباً انعدام الثقافة الموسيقية، وعدم إدراك الوظيفة الجمالية والأهمية الموضوعية للأغنية لدى أولئك الشباب سواء في اليمن أو في تلك البلدان العربية، وتبني العديد من مؤسسات الإنتاج – إذا جاز تسميتها كذلك – لإنتاج ما يسمونه بالأغاني الشبابية، التي وضعوا لها مواصفات معينة ليست لها أية علاقة بالقيمة الجمالية الموسيقية، أو القيمة الموضوعية للأغنية. الجانب الثاني: اجترار معظم الفنانين الشباب لأغاني الأجيال السابقة من رواد الغناء في اليمن، وللأسف أن هناك من يشوهون أداء تلك الأغاني أو الموشحات الحُمينية اليمنية القيِّمة شعراً وألحاناً (الحُميني شعر يمني له شكل الموشح)، ويجدون من يروج لهم تلك الأعمال المشوهة المجني عليها، سواء في أسواق التسجيلات أو عبر بعض القنوات الإعلامية المرئية والمسموعة.

    وينوه الفنان بركات، بوجود مواهب من الفنانين الشباب في اليمن، لكنها تحتاج إلى الرعاية والتأهيل.. موضحاً: برغم كل الظروف، هنالك مواهب وقدرات فنية غنائية يمنية متميزة من الشباب، يمكن أن يكون لها شأن كبير على المستوى المحلي والعربي، لو وجدتْ الرعاية والتشجيع، ومساعدتها على أن تسلك طريق العلم، ثم تبنيها باتباع أسلوب صناعة النجم، وهو الأسلوب المتبع في البلدان الأخرى. ويرى أن «الأزمة التي تتعرض لها الأغنية اليمنية هي أزمة وعي وثقافة وإدراك لماهية الأغنية ووظيفتها وأهمية دورها، سواء ثقافة الفنان أو ثقافة الراعي أو المنتج لهذا الفن، وانتهاءً بثقافة ومستوى تذوق المتلقي».
كان لمدينة عدن، دور ريادي فاعل خلال القرن الماضي في رعاية الرعيل الأسبق من فناني الغناء الرواد، وفي توثيق إنتاجهم الغنائي على أسطوانات، أصبحت الآن أحد المصادر المهمة لحفظ جانب كبير من التراث الغنائي اليمني، وكانت تلك المدينة متنفساً رحباً للعديد من الفنانين والمبدعين اليمنيين، وفي المراحل اللاحقة كانت ميداناً للتنافس، وتبني مشروع تطوير الأغنية اليمنية رغم ما صاحبه من عثرات.
يقول الدكتور بركات: ننتظر في الوقت الحالي، أن تستعيد عدن دورها الريادي في استمرار تبني مشروع تطوير الأغنية اليمنية، إلى جانب بقية المدن اليمنية؛ فأرض اليمن باتساعها وتنوع بيئاتها: الساحلية، والسهلية، والجبلية، والصحراوية غنية بفنونها المختلفة. وأضاف في معرض حديثه عن الحل: «بلد كاليمن يمتلك هذا الثراء الفني الغنائي والإيقاعي الكبير، يفترض أن ينشأ فيه عدد من الكليات والمعاهد الفنية المتخصصة التي تُعنى بالتعليم الموسيقي وكل الفنون الإبداعية الأخرى، لمحو الأمية في الموسيقا وفي تلك الفنون المختلفة، في سبيل الارتقاء بها وتطويرها بالأساليب العلمية، كما تُعنى بمجال البحث العلمي الذي يمكن أن تكون أحد أهدافه دراسة وتصنيف وإحياء كل الألوان الغنائية اليمنية الفريدة.

                                         معهد الموسيقا
    ويرى بركات، أهمية استحداث كلية للفنون والتراث الشعبي في العاصمة صنعاء، وضمن كليات جامعة صنعاء باعتبارها بداية الحل ليس لأزمة الأغنية بل لأزمة البلد.. يقول: إن كلية للفنون والتراث قد أصبحت – فيما نعتقد جازمين – وفي هذه الآونة بالذات، ضرورة ملحة من ضرورات حياتنا، بل ووجودنا في هذا اليمن الكبير الذي يحتضننا، وبخاصة في العاصمة صنعاء مهوى كل اليمنيين، وما كان لنا أن نقول ضرورة جد ملحة، لولا ما نراه ونلمسه من ظواهر وثقافات قبيحة وطارئة، أخذت تعصف بمجتمعنا وتهدد وجودنا وكينونتنا الوطنية، مطلة بوجوهها القبيحة كالتطرف والعنف والإرهاب، وثقافة الكراهية والتخريب. واستطرد: إن كلية من هذا القبيل تستهدف صقل المشاعر والعواطف وتهذيب النفوس، ستسهم – دون شك – في الحد من هذه الظواهر والسلوكيات المقيتة.
وتابع مؤكداً: نحن لا نشك في أن إنشاء هذه الكلية سيستقطب الكثير من الشباب، حتى تزرع في نفوسهم قيم الجمال والحب والتسامح والحوار والانتماء الوطني والقبول بالآخر، لا قيم التطرف والعنف وما إلى ذلك، هذا من ناحية، كما أن هذا الزرع، أي التعليم والتثقيف والتشكيل والبناء، من ناحية ثانية، سيجعل من هؤلاء الشباب طاقات خلاقة ستسهم – ولا ريب – في إثراء مؤسساتنا الحكومية والأهلية، وبالتالي الارتقاء والنهوض بمختلف فنوننا الإبداعية والتراثية، فضلاً عن حمايتها وحفظها بوصفها جزءاً أساسياً من ذاكرة شعبنا وهويته.

http://dubai-althakafiya.com/%D8%AF-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A8%D8%B1%D9%83%D8%A7%D8%AA/?issue=116

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق