أحمد الأغبري - مجلة دبي الثقافية
اختزل "عبد الرحمن الغابري" كل عناصر التضاريس الطبيعية والإنسانية والثقافية اليمنية، في لوحات، على فوتوغرافيتها ، نفخ فيها من خياله الفني و رؤيته الجمالية والفكرية ، ما تفتق عنها نصوصاً تنبض بالتشكيل حياة ظل الغابري يجددها مع كل لقطة تقتنصها عدسته التي جال بها جبال وسهول ووديان وقرى ومدن وسواحل وجزر اليمن ،على مدى أربعة عقود ،قدم فيها اليمن فوتوغرافيا في سيمفونيات بصرية رفعت اسمه عالياً.
اختزل "عبد الرحمن الغابري" كل عناصر التضاريس الطبيعية والإنسانية والثقافية اليمنية، في لوحات، على فوتوغرافيتها ، نفخ فيها من خياله الفني و رؤيته الجمالية والفكرية ، ما تفتق عنها نصوصاً تنبض بالتشكيل حياة ظل الغابري يجددها مع كل لقطة تقتنصها عدسته التي جال بها جبال وسهول ووديان وقرى ومدن وسواحل وجزر اليمن ،على مدى أربعة عقود ،قدم فيها اليمن فوتوغرافيا في سيمفونيات بصرية رفعت اسمه عالياً.
يتفرد اليمن بخصائص جمالية في مشهده البصري،
وهي خصائص تحتاج إلى عين محترفة قادرة على إعادة اكتشاف جماله المخبوء في التفاصيل
بذكاء يعيد قراءة تلك المفردات في مؤلف بصري جديد..
عبدالرحمن الغابري |
يقول الكاتب والناقد الدكتور حاتم الصكر في كتابه
أقوال النور: "يقضي الفنان عبد الرحمن الغابري أوقاتاً طويلة منتظراً طلوع الفجر
وراء سحابة أو قمة جبل أو فوق زرقة البحر ليأسر انعكاسات الشمس و حوار الظلال والأضواء
في الأفق المفتوح للبصر حين تنام عن هذا المشهد البصري أعين كثيرة ؛فيقدم لها مشاهداته
بعد أن تمسها يداه في مراحل إعدادها وتحويلها إلى مفردات بصرية معالجة بالحيل والتقنيات
البصرية التي كان السينمائيون يدعونها خدعاً
،وهي في ظني قراءة للمشهد البصري تؤول جمالياته
وتستكمل غير المنطوق من دلالاته بإضافات الآلة وسحر الطباعة والتظهير".
العين المُحّبة
و يضيف موضحا في حديث إلى مجلة ددبي الثقافية :"
تبقى العين المُحبة هي أساس جمال الصورة؛ فالحُب هو دليل الفنان إلى حيث يكون الجمال
مختلفاً متوهجاً في ذروة تجلياته " .
لا تمثل المواقع التاريخية السياحية المألوفة
للعدسة هي وحدها محك اختيار واختبار حرفية علاقة هذا الفنان مع آلته ومناظره، بل كذلك
هي المواقع الطبيعية بما فيها المناظر التي يبرز فيها البحر أو الماء عنصر هام من عناصرها...
وفي مثل هذا النوع من المناظر نجد الفنان الغابري على الرغم من انه اكتفى في بعضها
– فقط - بثلاثة عناصر:الشاطئ والبحر والسماء؛وأحيانا بعنصرين:اليابسة والماء.. قد جاء بها لوحات استنطقت عناصر عديدة من باطن العناصر
الرئيسة... فنجده استطاع من خلال مهارته في اختيار الزاوية والوقت تحقيق انسجام جديد
بين ظاهر و باطن العناصر...فهذه اليابسة بتركيبتها الصخرية الرملية وتشكيلتها ذات الحواف
التي نحتتها وصقلتها الأمواج،وهذا الانسجام بين الأمواج وأطراف هذا الشاطئ الصخري
...والتي جميعها تستظل بسماء أبدع في توظيف مكوناتها السُحبية مثلما أجاد توظيف الأشكال
المختلفة للتشكيلات الصخرية في الشاطئ بما مكنه من الخروج علينا بعد معالجة فنية وذكية
بلوحة ذات أبعاد جمالية عديدة لمنظر البحر والشاطئ والسماء.
المخيال الذكي
تركز عدسة الغابري في كل لوحاتها على معاني
الحياة وتجليات الجمال ولهذه نجده في المعمار وفي الوديان والحقول والغابات والسواحل
والجزر وغيرها لا يتجاوز منظراً مفعماً بالحيوية، سواء كان المنظر لشجرة أو نبات أو
طائر أو حتى أحياء بحرية أو حتى لحشرات…وهو في كل ذلك لا يتجاهل العنصر الإنساني بل
يبرزه في أفضل وأبسط مظاهره من خلال وجوه أجاد تصويرها مجسداً كل ما فيها من طفولة
وبساطه ومعاناة وبخاصة في الريف...
الإحساس الفذّ
...ويبدو الفنان في
هذه البروتريهات حساساً جدا لحالاتها لذا برع في تصويرها وتجسيدها في ابلغ نص؛ لأنه
خاطب من خلالها الإنسان في ابسط ما يكون وأعظم ما يتجلى عنه، وهو ما يتضح في منظر التقطته
عدسته لفلاحة تعتمر قبعة مصنوعة يدوياً من خزف النخيل وتحمي الرأس والوجه من اثر أشعة
الشمس في الحقل... ثمة الكثير يريد أن يقوله الغابري من خلال هذه اللوحة بما في ذلك
مدى اقتناع المرأة بما تقوم به واجتهادها وتفانيها
وفي نفس الوقت ما تعانيه وتسهم من خلاله
في حياة قاسية تعيشها في الريف بصمت...
يقول:" ربما هذه اللوحة
هي من أهم اللوحات التي اعتز بها ،إذ تعكس نصا كاملاً يروي حكاية المرأة التي تصنع الحياة وترعاها في
الريف اليمني...وليست وحدها هذه اللوحة التي تتحدث عن ذلك؛ فكثير من الوجوه بما فيها
وجوه الفتيات فنظراتهن وتضاريس ملامحهن أكبر من أن نحكيها في هذا الحيز فيكفي أن تنظر
إليها لتقرأ ببصيرتك ما لم تقرأه ببصرك!"..
وعلى الرغم من تنوع وتعدد أعمال هذا الفنان؛
إلا انه يبقى سعيداً بكل هذه اللوحات...فجميعهن نتاج حبه لوطنه، وبالتالي" فجميعهن
بناتي وأنا سعيد بكل لوحة من هذه اللوحات"..
و يخلص الغابري مشيراً إلى بعض العوامل التي تبلورت من خلالها علاقته الخاصة بالتصوير
انطلاقا من الحب : حب التصوير و حب اليمن و حب المنظر وعشق الجمال ،من خلال العين الجميلة،
والقدرة على قراءة و اصطياد الخصوصية بواسطة حس ذكي ....أنا لولا محبتي لليمن لما أنتجت هذه الصور اللوحات التي تعكس
، أيضاً ، مدى عشقي و حبي للكاميرا و للفوتوغرافيا ... الفوتوغرافيا هذا العالم الذي
لم نستوعب في العالم الثالث أبعاد سحره، وهو السحر الذي ننبهر بانعكاساته القادمة إلينا
من الشمال، ونكتفي بذلك الانبهار الذي لم يحرك لدينا نزعة توطين هذا السحر و تعريبه
والاحتفاء به والاستفادة منه وتوظيفه في ترسيخ ثقافة الجمال في مجتمعاتنا... فنحن كما
قال احد زملائي المصورين لم ندرك سحر الفوتوغرافيا بعد؛ إذ مازلنا ننظر إليها من بُعد
وظيفي نَسَقي في الغالب، أما البعد الفني الرؤيوي الذي يتجاوز المرئي إلى التأويل عبر
لغة الضوء ...فلم نحز من قدرة التعامل معه وقراءته سوى القليل جدا ".
أحمد الأغبري - مجلة دبي الثقافية
أحمد الأغبري - مجلة دبي الثقافية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق