أحمد الأغبري
تُمثّل مجموعته الجديدة "بنات القمر"،
التي عرضها في غاليري وزارة الثقافة ومؤسسة البيسمنت (القبو) بصنعاء؛ امتداداً
متطوراً للمرحلة الراهنة في تجربته؛ التي أطلَّ بها في معرض "سماء من
البنفسج" عام 2006م، متميزاً، هذه المرّة، في الاشتغال على المرأة (موضوعاً
ورمزاً مُكثّفاً) والتجريد بواقعية تعبيرية (تقنياً) والتعامل بجرأة مدروسة وحرية
متجاوزة (لونياً) مع نصوصه ورؤاه، التي لم تتخل عن علاقتها المُبتهجة بالمكان والإنسان
وفق تقنية ولغة تُحسب له وعليه في آن.
و"بنات القمر"،
وفق الفنان نُعمان، يمثلنّ بنات اليمن، إلا أن الرمزية غير المغلقة في اللوحات
امتزجت بالقصدية غير المفتوحة؛ ففي وجوه الفتيات ألتقى الجمال بالبهجة في صور مُعبّرة
عن مدى إصرار اليمن على تحدّي الواقع، في تعبيرية، لم تتخل عن التجريد، عن إيمان
الفنان بأن اليمن ستتجاوز واقعها الراهن وستنتصر الحياة على الموت استناداً إلى
الجمال المكنون في الداخل، والذي يؤمن به الفنان ويراهن ويؤكد عليه في جديد
أعماله، وكأنه، بتلك المناظر، يُذَّكر بموروث الخصوصية اليمنية من حضارة الجمال
وثقافة السلام؛ وفي مقدمة هذه اللوحات تلك التي ظهرت في غلاف كُتيب المعرض ولوحته
الاعلانية، وبرزت فيها مقدرة الفنان على تطويع تناقضات الواقع بما يُعبّر عن موقف
و رؤية تنفست ، كثيراً هذه المرة، لون الأرجوان (على حساب تراجع البنفسج الذي حضر بقوة
في معرضه السابق)، وهو ما برزت معه، أيضاً، حرفية الفنان واضحة في التعامل مع
التفاصيل والخطوط النابضة!
إلى ما سبق؛ مازال نُعمان في مجموعته الجديدة مُمتلكاً
عيناً جمالية ذات ميزان حساس تتعامل مع اللوحة على أنها سيمفونية لكل مكون فيها
ايقاعه؛ ولهذا نجده مُتمكناً من حفظ التوازن الجمالي بين مكونات المنظر، بما لا
يخل برصانة وجمال اللوحة، بل يفتح اللوحة على مشارف قراءات عديدة...وهنا يمكن
التأكيد أنه قد تجلى، أيضاً، مُتمكناً من ألوانه، مُدهشاً – كما في معرضه السابق- في
بناء (المنظر المركّب) بمعالجة فنية رائعة، مُشتغلاً بمهارة، على الأدوات (السكين
مع الفرشاة) والخامات (القماش) والألوان (الأكريلك والزيتي) بحُريّة مصدرها معرفة
ومهارة وثقة يستمدها من تجربة طويلة تسندها روح مفعمة بحساسية إنسانية عالية
منفتحة على البهجة لدرجة تجده في كل عمل من أعماله طازجاً فاتحاً شهية المشاهدة
الممتعة.
شُغِف عبد
الجبار نُعمان بالرسم صبياً في بيئة وطبيعة ساحرة، وبدأت حكايتهُ مع اللوحة فتى
يافعاً، ودَرَس الفنون شاباً وتخرّج بدرجة البكالوريوس في
"كلية ليوناردو" في القاهرة عام 1973م، وواصل الدراسة في إيطاليا ليعود
في سبعينيات القرن الفائت منطلقاً بمشواره الفني ضمن رواد التشكيل اليمني.
كانت بداياته، مثل كثير من الفنانين
اليمنيين، مع الواقعية التي ترتبط، في الغالب، بالهُوية والتُراث اشتغالاً على
المعمار والأزياء والزخارف غالباً، وهو اشتغال، وإن كان واقعياً، إلا أنه تجاوز
التصوير إلى التأويل، كما تجاوز تلك البدايات إلى الواقعية الرومانسية، ومن الواقعية
الرومانسية انتقلت تجربته إلى الواقعية التعبيرية، قدَّم خلالها أعمال هامة في تسعينيات
القرن الماضي، ومن تلك المرحلة كانت انطلاقته وتحوله إلى مدارس الفن الحديث؛ مُتعاملاً
بجرأة وحُريّة في توظيف اللون وتركيب المنظر لتأتي المعالجة اللونية والهندسية والزخرفية
بلوحة مختلفة تعكس جهوداً مُضنية بذلها الفنان تجريباً لونياً وتركيبياً هندسياً واشتغالاً
متوازناً على عدد من المكونات والسطوح والمؤثرات بأبعادها ومحمولاتها والتي تتداخل
فيما بينها في صياغات
مبتكرة تُعيد قراءة الجمال في البيئة والثقافة المحلية بلغة البهجة؛ وهي المرحلة التي عبَّر عنها بوضوح في معرضه السابق، ومثَّل
معرضه الأخير امتداداً وتطويراً لها؛ وهنا انتقده البعض على افتراض أنه قد تجاوزها
بعد أكثر من عشر سنين من الاشتغال عليها؛ بينما يرى فيها أخرون إضافة نوعية لفنان ينتمي
للصف الأول في المحترف التشكيلي اليمني استقرت تجربته وصارت مدرسة.
صحيفة القدس العربي 21يونيو 2016م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق