صنعاء ـ «القدس العربي» من أحمد الأغبري:
لا يمكن قراءة مشكلة مجتمع ما دون الوقوف على خلفيتها وأرضيتها الثقافية؛ خصوصاً عندما تزداد المشكلة تعقيداً وتتصاعد مخاطرها ويسوء واقعها، كما هو حال المشكلة اليمنية التي اتسعت وتشعبت ووصلت إلى مرحلة من الحرب والاقتتال والصراع، حداً صار معه النسيج الاجتماعي مهدداً بتحولات خطيرة في العلاقات والقيم، وهو ما قد يزداد معه تعقيد الحلول المرتقبة، ما يجعل البحث عن قراءة ثقافية لها أمراً في غاية الأهمية.
نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق ورئيس الهيئة اليمنية للكتاب عبدالباري طاهر أرجع ما آلت إليه البلاد تحت بيرق الحرب، إلى ما اعتبره هشاشة جلية لدور الثقافة في الفترة الماضية في تشكيل وعي مُساند للحياة والتقدم؛ وعي ينتصر لقيم الإنسان في التسامح والمشاركة، ويرفض ثقافة الانفراد والغلبة والقوة باعتبارها عدو الحياة، موضحاً لـ«القدس العربي»: «ما آلت إليه الأوضاع في اليمن هو بلا شك دليل هشاشة الثقافة التي سادت في الماضي؛ فالذي ساد في الماضي هو ثقافة العنف والغلبة والاستحواذ والانفراد، مقابل ضعف ثقافة التسامح والتعايش والمشاركة والعدالة والتآخي… كل هذه المنظومة ضعفت أمام الحرب وتراجعت وأثبتت الأحداث أن الرصاصة أقوى من الكلمة». وذهب (طاهر)، وهو باحث له مؤلفات ودراسات عديدة، إلى القول إن الصراع الراهن هو امتداد لصراعات الماضي التي كانت وراءها رغبة طرف معين في الاستحواذ والانفراد بالسلطة… لكن ثمة تطور مغاير في حالة الاقتتال الراهنة متمثلة في تجلي البشاعة في القتل وممارسة الإرهاب في صور غير مسبوقة، وهو ما اعتبره «نتيجة طبيعة لغياب العقل كليةً وسيادة شريعة القوة والغلبة وتحكمها في كل شيء، وهو ما يميز الراهن عن الماضي».
أين الشعب من كل هذا؟…هنا يشير عبدالباري إلى أن صوت العقل يصمت عندما يرتفع صوت الرصاص قائلاً: «عادةً عندما يتكلم الرصاص وتتحدث القوة يتوارى صوت العقل والمنطق والسياسة، والذي سائد الآن هو أن حجة الرصاصة أقوى من حكمة الكلمة… ولكن في نهاية المطاف هذه لحظة من اللحظات البشعة ولن تدوم، لابد أن نراهن على المستقبل والتسامح؛ لأن الصراع هو لحظات في التاريخ لا ديمومة لها».
ويؤكد طاهر أهمية العمل على حل سياسي يوقف الدمار في سياق مصالحة شاملة.
أما حصر الحل في قلة من المتحاربين فعندها قد يتم إيقاف الحرب، لكنه إيقاف مؤقت سيؤدي في نهاية المطاف إلى انفجار الحرب من جديد، على اعتبار أنه لا بديل عن الحل السياسي والمصالحة الشاملة؛ فالحسم العسكري يكاد يكون مستحيلاً في بلد مثل اليمن».
* لماذا؟
- لأن تاريخ البلد مليء بالفتن والحروب وجولات من الصراعات وتاريخ ظلت فيه المليشيات تتبادل السلطة، وفي أحيان كثيرة كانت هذه المليشيات هي السلطة وترتدي ثوب الدولة بينما هي مليشيا ونتيجة لذلك ظلت الحروب تنفجر في مراحل مختلفة من تاريخ البلاد، وهي حروب لم تحسم الإشكاليات وإنما كانت جولات في صراع متواصل بألوان مختلفة تظهر فيها هذه المليشيات…هي جولات صراع لن تنتهي إلا بمصالحة وطنية شاملة ويخرج اليمنيون ويتخلون كلية عن ثقافة القوة والغلبة ومنطق السلاح».
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق