عبد الله البردوني ... أنات وتساؤلات
أحمد الأغبري
نُشر التحقيق عام 2012 ومازالت القضية قائمة
نُشر التحقيق عام 2012 ومازالت القضية قائمة
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEispt-mNufqcbINBuRXJgPul8SD28uIfmmtHXQoDTmML054z6NaYPQhOUzwnczYRFPwa7Q94rcos3C0vMOFelg32_CTNtgdYLaZtXWcLcRS0at5D6rE_B48MqaDY7gF4Ft_05t5pbrLI7zK/s1600/14141593_1065420830178009_5299455775120220043_n.jpg)
كل هذه
الأنات والتساؤلات تتكرر كل عام مع إحياء ذكرى رحيله، لكنها هذا العام تزامنت مع حملة
إعلامية كبيرة توقفت بإعلان وزارة الثقافة عن اتفاق أُبرم مع ورثة الشاعر الكبير عبد
الله البردوني، ينص على شراء الوزارة لمنزل البردوني في حي بستان السلطان بصنعاء
لتحويله إلى متحف، وفيما يتعلق بأعمال البردوني غير المنشورة اقتصر الاتفاق على
طباعة الديوانين غير المنشورين وهما "رحلة ابن شاب قرناها" و"العشق
على مرافئ القمر"...
بصرف النظر عن مثالب هذا الاتفاق الذي تكشف
تفاصيله انه أشبه بذر الرماد في العيون؛ نسأل: هل لم يبق من تراث البردوني سوى
هذين الديوانين الذي شملهما الاتفاق؟ وماذا عن بقية الكتب التي سبق للبردوني أن أشار
إليها وتحدث عنها تلاميذه؟وما هي الأسباب التي جعلت تراث هذا العلم الكبير مغيباً
عن الاهتمام منذ رحيله؟بينما كان يفترض أن يكون قد نال حظه من التكريم اللائق به بدلاً
من تعريض تراثه للخطر،وهو الخطر الذي سبق ونبهت إليه "دبي الثقافية" قبل
أكثر من خمس سنوات،لتعود اليوم متناولة المشكلة من زاوية أكثر خطورة وهي مصير كتبه
غير المنشورة في ظل ما أسفر عنه اتفاق وزارة الثقافة مع ورثة الراحل ، الخلاف حول هذه الكتب وتأخر نشرها .
وكان بيان صادر عن عدد من الأدباء والشعراء
اليمنيين تحدث عن ثلاثة دواوين شعرية تركها البردوني:"ابن من شاب
قرناها"،"العشق على مرافئ القمر"، "أحذية
السلاطين"بالإضافة إلى ثلاثة كتب نثرية ورواية "العم ميمون".
وصدر للبردوني خلال حياته (1929-1999م) اثني عشر
ديوانا وثماني دراسات في الأدب والتاريخ والثقافة اليمنية،وتناولت تجربته العديد
من الدراسات بعشرات اللغات بوصفه من أهم شعراء العربية في القرن العشرين،وبرز
متميزا في منح القصيدة العمودية روحاً حداثية تخلقت في فضاءاتها شعرية جديدة
متجددة.
قبل رحيله كان البردوني قد
تحدث في عدد من الأحاديث الصحفية عن كتب تحت الطبع في مقدمتها ديوانان شعريان كان
قد استودعهما،حسب خالد محمد الشاطبي،قبل يومين من وفاته،لدى رفيقه ومَنْ كان يُملي
عليه نصوصه وكتاباته محمد الشاطبي لمراجعتهما قبل إرسالهما للمطبعة،إلا أن الموت
نال من البردوني،الذي لم يُخلَّف ذرية من الأولاد والبنات،وكان له من الأخوة أخا
واحدا هو أحمد...فنشب،عقب وفاته،خلاف بين أرملته فتحية الجرافي وابن أخيه عبده البردوني
حول المنزل الذي كان يسكن فيه البردوني في الحي السياسي بصنعاء...حيث قالت أرملته إنه
منزلها وبنته من حر مالها وأن منزل البردوني هو الكائن في بستان السلطان بصنعاء
القديمة...وخلال الخلاف الذي طال في المحاكم تؤكد أرملة البردوني أنها جمعت مكتبته
ومؤلفاته ومخطوطاته وجوائزه ومقتنياته ووضعتها في منزله بحي بستان السلطان الذي
صار في تصرف ابن أخيه.
منذ وفاة البردوني وخلال
سنوات الخلاف بين ورثته لم تول الجهات المعنية حكوميا وأهليا أي أهمية للحفاظ على
تراث الراحل باستثناء تشكيل لجنة من الأعيان تولت حصر هذا التراث وحسب يحيى جغمان
عضو اللجنة فقد تم تسليم كل ذلك التراث من كتب ومخطوطات ومقتنيات لابن أخ البردوني
باستثناء الديوانين اللذين بقيا في حوزة محمد الشاطبي..
طيلة السنوات الماضية منذ
رحيل البردوني وبعد انتهاء تراث البردوني، باستثناء الديوانين،إلى يد ابن أخيه،لم
تقم وزارة الثقافة أو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بأي جهود للحصول على ذلك
التراث وحمايته من الضياع واكتفت الوزارة بخطابات وجهتها للورثة لتسليم الديوانين
المخطوطين فقط...والأكثر غرابة أن تنتهي جهود الوزارة مؤخراً بتوقيع اتفاق مع
الورثة يشمل طباعة الديوانين سالفا الذكر وشراء منزل البردوني لتحويله إلى
متحف،وهو الاتفاق الذي حصر تراث البردوني في الديوانين ولم يول اهتماماً ببقية التراث
بما فيها الكتب التي تحدث عنها البردوني في حياته واختفت بعد موته،ويفترض وجودها ضمن
ما تركه البردوني من مخطوطات تم وضعها ضمن مكتبته ومقتنياته في منزله الذي بحوزة
ابن أخيه الذي وقع الاتفاق مع وزارة الثقافة،التي كان يجدر بها أن تضم في الاتفاق محتويات
المنزل من تراث البردوني ما دام الطرف الثاني في الاتفاق منْ بحوزته مكتبة
البردوني ومخطوطاته ومقتنياته...
و
للتأكد من ماهية ما تركه البردوني من كتب غير منشورة.. نسمع شهادة الشاعر والناقد
علوان مهدي الجيلاني،وهو من أهم تلاميذ البردوني وجلسائه،حيث يؤكد أن البردوني ترك
كتباً نثرية غير الديوانين،ودلل الجيلاني على ذلك بأنه شهد انجازها و رآها بعينيه،ويوضح
انه سمع من البردوني حديثاً عن كتاب بعنوان"الجمهورية اليمنية" وكتاب آخر
بعنوان"الجديد والمتجدد في الأدب اليمني" بالإضافة إلى سيرته الذاتية...ويقول:
هناك نوع من التراخي والقصدية لتغييب كتب البردوني لأسباب كثيرة جداً أبرزها
سياسية؛فهناك كتاب"الجمهورية اليمنية"وأنا أشهد أني رايته بعيني وشهدتُ
كثيراً من فصوله وهي تنجز عند البردوني و رأيته قبل موته بفترة قصيرة وهو جاهز
بالملفات كاملة لترسل للمطبعة،وقد كان جاهزاً سنة 1994م،وعندما اندلعت الحرب بين
طرفي النظام باليمن في ذلك العام أخَّر إرساله
للمطبعة،وقال الآن يُكتب التاريخ من جديد،وظل يكتبه أربع سنوات أخرى،ثم عندما أنجزه
اختفى يوم موته،وهناك سيرته الذاتية نشر بعضها في صحيفة 26 سبتمبر،لكن هناك فصولاً
منها أخرى لم تُنشر ونريد أن نعرف أين هي..وهناك كتاب"الجديد والمتجدد في الأدب
اليمني" التي طالما أعلن عنه،وقال لي عنه بلسانه إن هذا الكتاب جاهزا للنشر
في 1800 صفحة ويحتاج إلى 18 ألف دولار لطباعته حينها ..أي انه تبقى بجانب
الديوانين ثلاثة كتب نثرية".
من جانبه خالد محمد الشاطبي كبير أبناء محمد
الشاطبي الذي بحوزته ديواني البردوني غير المنشورين يؤكد انه على استعداد لتسليمها
لطباعتها بالكمية والطريقة التي كان يطبع بها البردوني أعماله ولا يريد مقابل ذلك
مليما واحد حد تعبيره مؤكدا نقلا عن أبيه الذي يتجاوز عمره التسعين سنة ويعاني من
كثير من أمراض الشيخوخة، انه مايزال للبردوني كتب أخرى مخطوطة غير الديوانين وأنها
بما فيها كتاب الجمهورية اليمنية والسيرة الذاتية وضعت ضمن بقية كتبه ومؤلفاته
ومكتبته التي نقلتها أرملته إلى منزل البردوني في حي بستان السلطان بصنعاء...
بعد أن تأكد لنا وجود كتب أخرى غير الديوانين
للبردوني ضمن تراثه المخزون في منزله المهجور في حال لم يتم إخفائها والتخلص منها لأسباب
سياسية..يصعد إلى السطح سؤال مفاده:لماذا لم تُطبع كتب البردوني غير المنشورة حتى
اليوم على الرغم من محاولات أعلنت عنها وزارة الثقافة غير مرة؟ولماذا اقتصرت
محاولات وزارة الثقافة على طباعة الديوانين فقط؟...بخصوص السؤال الأخير أرجع أكثر
من مسؤول في الوزارة ذلك إلى كونهما المتوفرين وبقية الكتب مختفية،بينما يرى آخرون
من خارج الوزارة أن ثمة مخاوف سياسية من الكتب النثرية أكثر من الشعرية؛لأن
النثرية تناولت جزءاً مهما من تاريخ اليمن السياسي والثقافي ومرحلة أكثر حساسية
لبعض مراكز القوى.
إذا كان ذلك عن الكتب
النثرية فماذا عن الديوانين؛فرغم كثرة المحاولات لطباعتهما إلا أنها باءت
بالفشل؟!...وهنا يؤكد خالد الشاطبي أن وزارة الثقافة خاطبته بخصوص طباعة الديوانين
أكثر من مرة وكذلك دائرة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة ومؤسسة العفيف الثقافية لكنه
في كل مرة كان لا يجد اهتماما يوحي برغبة حقيقية بالطباعة حيث كانت تلك الجهود
تتبخر في الأخير ربما - كما يقول - لأسباب متعلقة بتخوفهم من اشتمال كتب البردوني على
مواقف تغضب جهات معينة.
ويروي
الشاعر والناقد علوان مهدي الجيلاني حكاية مؤسسة العفيف الثقافية مع هذين
الديوانين ومع الشاطبي تحديداً قائلاً:كنت حضرت يوماً إلى مؤسسة العفيف الثقافية
بصنعاء وقد جاء يومها محمد الشاطبي وسلم أحمد جابر عفيف الديوانين الخاصين
بالبردوني واتفق مع العفيف على طباعتهما فأخذ منه العفيف الديوانين لطباعتهما ووضعتهما
بيدي على الرف،كان ذلك في العام 2000م،وعندما عدت في صباح اليوم التالي فوجئت
بالرف خاليا والعفيف مذهولا لأنه صدرت أوامر من فوق بعدم طباعتهما وجاء محمد
الشاطبي فاخذ الديوانين"..
وفي هذا يطالب الشاعر الحارث ابن الفضل وزارة
الثقافة أن تقوم بدورها على أكمل وجه وخصوصا بعد ثورة الربيع العربي،حيث لم يعد هناك
عائق سياسي بعد سقوط النظام.."ففي السابق كان يقال بان هناك عائق سياسي أمام
طباعة أعمال البردوني بسبب موقف النظام من البردوني الذي لامس في كتاباته كثير من قضايا
النظام ... لكن الآن رحل النظام و دخلت البلاد في نظام جديد،أي انه بعد الثورة لم
يعد هناك أي مانع لبقائها حبيسة الأدراج "..
لكن
وزارة الثقافة تنفي أن يكون هناك أي مانع سياسي أمام تأخرها في طباعة أعمال
البردوني غير المنشورة...ويقول وكيل وزارة الثقافة هشام علي بن علي: كوزارة
ثقافة لم نتعرض لأي ضغط ولم يكن لدينا أي مانع لطباعة الديوانين ولم نحصل حتى على
نسخة منهما..ولم ينكر وكيل وزارة الثقافة في حديث سابق تقصير الوزارة في اتخاذ
إجراءات مبكرة لحماية تراث البردوني عقب الوفاة معتبراً ذلك نتيجة ما اسماه
اللامبالاة التي تطغي على واقع الحياة اليومية اليمنية... منتقدا ورثة البردوني
الذين لم يهتموا بتراث الشاعر الكبير من الكتب التي اختفت بقدر اهتمامهم بالبيت
الذي وافقت الوزارة حسب الاتفاق الأخير الموقع بين الطرفين على شراءه بخمسين مليون
ريال يمني(233ألف دولار أمريكي) لتحويله إلى ش.
"دبي الثقافية"
زارت منزل البردوني ولم تتمكن من دخوله لأنه مغلق ويظهر عليه انه مهجور منذ فترة
طويلة،حيث بات عرضه للخراب لافتقاده للصيانة وحسب بعض الجيران فان ابن أخ البردوني
يأتي أحيانا ويغيب عنه لفترة طويلة.
نخلص إلى التوكيد أن هناك كتباً غير منشورة بجانب الديوانين ما تزال مخطوطة
ضمن تراث البردوني،وهي كتب في غاية الأهمية وربما أهميتها وراء محاولات إخفاءها،وعلى
افتراض أن هذا التراث ما يزال مخزوناً في منزله المهجور بحي بستان السلطان بصنعاء،وما
دام الورثة مهتمين ببيع البيت أكثر من اهتمامهم بتراث الشاعر الكبير،وفي ظل إبرام
اتفاق اشترت بموجبه وزارة الثقافة البيت فإننا ندعو - في حال كانت هناك جديه
لتكريم الراحل - إلى إعادة بلورة صيغة الاتفاق ومعالجته ليشمل تشكيل لجنة لحصر
محتويات بيت البردوني وتوثيقه،وجمع ما تبقى لدى الورثة من مقتنيات البردوني وتراثه
وطباعة المخطوط وشراء حقوقه الفكرية وإعادة طباعة المنشور،وإعلان مشروع بسقف زمني
محدد لتأهيل المنزل متحفاً ومزارا ثقافيا يتم افتتاحه مع حلول ذكرى رحيله في العام
المقبل كأقل تكريم يليق بقامة كبير بحجم البردوني...ويبقى موعدنا أن نلتقي في
الذكرى الرابعة عشرة لرحيل شاعرنا الكبير في متحف البردوني بصنعاء..إن صدقوا!.
*التحقيق نشرته مجلة دبي الثقافية عام 2012م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق