أحمد الأغبري - مجلة دبي الثقافية
وأنت تتجاوز الوادي لتلج المدينة ستتداخل -حينها- مشاعرك، خصوصاً عندما
تتجاوز الأعتاب وتبدأ بمصافحة العمارة.. ستشعر كأنك في عالم من الأساطير..
كأن الزمن توقف هنا: مدينة أشبه بعروس كتبها التاريخ قصيدة شعر.
تفاصيل كثيرة تتجاوز الواجهات إلى تصميم المنزل من الداخل بطريقة تلبي
احتياجات وظيفية وجمالية في الوقت نفسه، من خلال تخصيص الطابق الأرضي حضائر
للحيوانات يتوسطها فناء ينفتح منه الباب الرئيس، وينتهي الفناء إلى درج
تصعد بك إلى الطوابق العلوية المخصصة غرفاً لأفراد العائلة، التي تتسع
لتشمل -أحياناً- ثلاثة أجيال في منزل واحد ، يبقى طابقه الأخير متاحاً
لجميع أفراد الأسرة مجلساً مفتوحاً لاستقبال الضيوف واجتماع العائلة؛ ولهذا
يحظى باهتمام أكثر من خلال تصميم نوافذه الواسعة و زخارفه الداخلية
والخارجية.
وخلال جولتك في المدينة ستؤدي بك الطرق والممرات إلى مركز المدينة، والذي
عادة تُشيد فيه المنشآت الهامة كالمسجد الجامع والسوق المركزي، وفعلاً ستجد
نفسك في حارة البستان وسط المدينة واقفاً أمام المسجد الجامع، الذي يعود
تاريخ بنائه إلى النصف الثاني من القرن السابع الهجري، وعلى غرار المساجد
الجامعة في المدن الإسلامية الأخرى، يتألف من بيت الصلاة وسائر المرافق
الأخرى، بما فيها المئذنة التي تقع في الركن الجنوبي من الضلع الشرقي لبيت
الصلاة، وتتكون من قاعدة مربعة الشكل على مستوى أعلى من سطح الجامع، ويعلو
قاعدة المئذنة الجزء الأسفل من بدن المئذنة أسطواني الشكل تعلوه شرفة
المؤذن. لا يزال الجامع الكبير في مدينة الطويلة قائماً بحالة جيدة، ويعد
أحد المعالم الإسلامية القديمة فيها، وقد أجريت فيه تحديثات متلائمة مع
النمط القديم. بالإضافة إلى المسجد الجامع هناك مسجد آخر يدعى مسجد الإمام
يقع في الناحية الشمالية للمدينة ويرجع تاريخ بنائه إلى سنة (668هـ).
الاستطلاع في الرابط التالي لمجلة دبي الثقافية :
http://dubai-althakafiya.com/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%88%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%B1/?fb_ref=856f404398534cc6bec19daab509b2f1-Facebook
مدينةٌ يحفها
واد خصيب ويحرسها جبل حصين، ويعيش بين ظهرانيها فنان تجاوز عمره معها أكثر
من ألف عام، لم تأفل شمسه ولايزال بريق روحه يتجدد على سطح لوحة زيتية
تشكلها تفاصيل معمار على بساطته يفيض سحراً ويضجُّ معه المنظر فاتناً بين
الجبل والوادي، حيثُ تتموضع المدينة مشرئبة اشرئباب الجبل الذي تستند إليه.
قد تُذهلك المدينة وتغرق في التفاصيل، حد أنك قد تظهر مغروراً لتجاهلك
نظرات وعبارات ترحيب سكانها بك.. إنهم -الآن- يرحبون بك! لا تستسلم لحالة
الذهول المفرط، وردَّ التحية؛ فسكانها الطيبون هم جزء من هذه البهجة التي
تملأ روحك وأنت بين أضلع هذه المدينة المدهشة موقعاً وتخطيطاً ومعماراً
وتاريخاً وإنساناً وثقافة وحياة.
إنها مدينة من عالم الأساطير، حتى مناخها يشهد تحولات يومية، تنتقل معه
من مدينة شمسية إلى مدينة غيوم تقترب حد لثم بيوتها. إنها مدينة الطويلة
مركز مديرية الطويلة إحدى مديريات محافظة المحويت الواقعة شمال غرب مدينة
صنعاء، على بُعد (77) كيلو متراً، تستند إلى جبل يسمى القرانع، وتتميز
بموقعها الاستراتيجي المحصن تحصيناً طبيعياً وخصوصيتها الاقتصادية الناتجة
عن تربة واديها الخصيب الذي يمتد لمساحة واسعة من الأراضي الزراعية، وبين
هذا وذاك تحتضن (الطويلة) بين جنباتها ثقافة تبدأ من المعمار ولا تقف عند
حياة الإنسان لتقدم حكاية المدينة شهادة حية لخصوصية علاقة الإنسان اليمني
بيئته.
قبل ولوج المدينة سيكون واديها الخصيب أول من يستقبلك، ومن هناك ستتجلى
لك في منظر بانورامي فاتن تربض فيه (الطويلة) في سفح جبل يطل عليها من خلال
عدد من القلاع والحصون، واللافت أن توسع المدينة لم يتجه نحو الوادي، بل
اختار الخيار الصعب، وهو التوسع معماراً باتجاه أعلى الجبل، ولهذا نجد
بيوتاً نابتة على الصخر في منظر خرافي يعزز من إدهاشة مشهدها المعماري.
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEgo8t4sYy8zwDXuufY4ho4gmggVsNI3IWEmr7GH6BTVRy2g09wO18fpREuzqXCg68GFDZAEvm_y4F5U_N25YU3eCUjfFGVl2EC3vU95FTGwU4bqoc4U-vrJOBIePOVLXu33nSfisZf6ExXw/s320/12334.jpg)
كل تلك المشاعر، وأنت لاتزال أمام منظر المدينة التي تتراكم وتتكوم بيوتها
وتتزاحم، كأنها تنتظرك منذ زمن. ما أن تتجاوز العناوين وتبدأ بقراءة
التفاصيل ستجد نفسك ذاهلاً؛ فالفن يفيض من كل تفاصيل المعمار، من خلال نمط
البناء واستخدام النقوش والزخارف، وبخاصة في النوافذ والأبواب، بما في ذلك
تباهي البيوت بنتوءات زخرفية خشبية تُعرف بالمشربيات، تسمح بتبريد مياه
الشرب ، وتتجلى في واجهات البيوت بالإضافة إلى نتوءات خشبية أخرى هي عبارة
عن سقائف تظلل النوافذ لمنع تسرب مياه المطر. حتى الأبواب لا تخلو من
النقوش متداخلة مع نقوش بناء الأحجار.
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEjddf-5jTnlmQM0-85N3nss2pD-fNrSxZbXgicGwSVj4Ih54CN1q6LSnh0vhcDoDHK7xU9huxV_lGi1dAMxs_Cc8V0uA_C73G-NwjslntCx-g0uRq5Et502F2KI-AHqnZD-9n7DocS5T0dB/s400/DSC_0028+%2528201x300%2529.jpg)
كل البيوت في المدينة شُيدت من الأحجار، وبطريقة متعارف عليها في كل مناطق
اليمن مع تميز تتفرد به كل منطقة من المناطق التي تشكل منشآتها السكنية
والتجارية الدينية ومرافقها التحصينية منظومة لها تاريخها وثقافتها.
![](https://blogger.googleusercontent.com/img/b/R29vZ2xl/AVvXsEj5XzsupNcgeZBG48q_A8sZgXw-pZAEm_XuXv_XBe3DxTTU0WysUvXKiiL3ULzfAK33DcV1vP1I1bMdoD6q5gwXHn_HQimfka-jg3GwKE2Dq69TjpwiPwPooyQpxFpPuvcnMw0SHS4uo3pE/s1600/taw1+%252813%2529+%2528232x300%2529.jpg)
بجوار المسجد الجامع في وسط المدينة، يقع السوق القديم الذي يتألف من عدة
أسواق خصص كل منها لنوع معين من السلع التجارية والحبوب والحرف اليدوية،
على غرار الأسواق الأخرى في المدن اليمنية. يتكون السوق من مجموعة من
الدكاكين الصغيرة التي تفتح على جانبي الطريق، ولا يزال جزء من السوق بحالة
جيدة، كما لاتزال أنماط بناء الدكاكين بهيئتها القديمة الأصلية. يقصد
الناس هذا السوق من المدينة وضواحيها، كل يوم ثلاثاء تقليداً لايزال السكان
ملتزمين به ومحافظين معه على خصوصية كل شيء.
بالإضافة إلى كل تلك المنشآت والعمائر تبقى التحصينات الحربية معلماً هاماً
من معالم هذه المدينة، وتتمثل هذه التحصينات في بقايا سور لا تزال آثاره
باقية. ويعزز هذه التحصينات قلاع وحصون مطلة من التلال الجبلية ويتجسد فيها
واقع العمارة الحربية في اليمن، حصون لها أسماء متعارف عليها منها: حصن
القرانع، الحصن الشامخ، حصن شمسان، حصن حجر السيد. المباني الداخلية لمعظم
هذه الحصون مهدمة، ولكن مازالت معالمها واضحة وقد أصابها قليل من الخراب
نظراً لغياب الصيانة. وعلى الرغم من بناء هذه القلاع في القمم المرتفعة،
إلا أنها شيدت كمنظومة معمارية سكنها ودافع من خلالها عن المدينة عدد من
الحكام في مراحل مختلفة من التاريخ، كانت فيها المدينة ضمن أهم مراكز
النفوذ والسلطة.
ها أنت تغادر والحسرة تكاد تخنقك مما لمسته من حاجة المدينة الماسة لصيانة
بعض مرافقها وتأهيلها بخدمات سياحية.. لكن كل ذلك لن ينال من بهجتك التي
استوطنت صدرك إزاء مدينة الطويلة، التي أسرتك حقاً؛ ولهذا لا مناص من زيارة
وقراءة ثانية حتماً.
* أحمد الأغبري - مجلة دبي الثقافية
* أحمد الأغبري - مجلة دبي الثقافية
الاستطلاع في الرابط التالي لمجلة دبي الثقافية :
http://dubai-althakafiya.com/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%88%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D9%85%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%AD%D8%B1/?fb_ref=856f404398534cc6bec19daab509b2f1-Facebook
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق