أحمد الأغبري
بمراجعة ما شهده الوطن العربي وما يزال يشهده منذ العام 2011م من أحداث
وتحولات وحركات ثورية إن جازت التسمية ، وما أفرزته تلك الأحداث في تونس ومصر وليبيا
واليمن...نجد أن تلك البلدان مازال طريقها طويلاً نحو تحقيق التغيير المنشود، خصوصاً
مع اشتغال السياسي بمعزل عن مشروع تحول نوعي يشارك في صوغه (المثقف ) الذي مازال بعيداً
ومبعداً عن ممارسة دور فاعل ومؤثر في صناعة وبلورة التحولات الأخيرة، التي يمكن القول
إنها تجري بمنأى عن (متغير ثقافي) يحصن التحول السياسي و يبلوره ويطوره، ويستوعب طموحات وتطلعات الشعب في تحقيق التغيير
المنشود ليس في بنية (النظام) فحسب، وإنما في البيئة الإنسانية والعلمية و المدنية
للمجتمع والدولة ككل.
أي تغيير لا يمكن له أن يحقق أهدافه في حال
تجاوز العقل وأقر بسلطة الواقع وانحنى للوقائع، إذ لا يمكن التعويل على هكذا تحول
لا يشتغل على تجاوز المعوقات بقدر تفكيره بحد معقول من التنازلات، وهي تنازلات للأسف
تضرب في صلب المعطى الإنساني ،وتصيب كبد التحول المدني ،وتنال من غاية الثورة كمنجز
حضاري انقاذي، لحرية الانسان ،وكرامة المواطن ،وتقدمية الوطن ،وحداثة مسيرة الدولة
الديمقراطية نحو المستقبل.
التحول لابد له أن ينطلق من وعي ثقافي له رؤية
سياسية وعزم ثوري، بدون هذه الثلاثية لن يحقق التحول نتائجه.
هذة الرؤية ليست مثالية، كما
قد ينظر إليها البعض، بل لها قرائن مستمدة
من قراءات في واقع تجارب التحول التي شهدها عديد من دول العالم كان واقعها أسوأ من
واقع بلداننا، ويكفي هذه الرؤية أن تدعوك ،فقط ، لإعادة القراءة في تجارب النهضة في اليابان
وألمانيا وفرنسا وروسيا والصين وغيرها من الدول بما فيها دول العالم الثاني
والثالث... وليس بعيداً عنا تجارب ماليزيا وسنغافورة والأرجنتين والبرازيل .. إذ يكفي التوقف على تجارب ما أطلق عليه النمور الأسيوية؛ فقد كانت تعيش
واقعاً لا يمكن مقارنته بواقع أوطاننا جهلاً وتخلفا، إلا أن اصرار الانسان على
التحول انطلاقا من وعيه وحاجته إليه كان كفيلاً بإحداث تغيير أصبحت معه قوى التخلف
في عداد الماضي خلال سنوات قليلة...
إذا كان السكان في الهند
يعبدون أكثر من أربعة ملايين آله، وعلى الرغم من ذلك متعايشين مؤمنين بالتنوع والتعدد، ولم يتوقف قطار نهضتهم منذ انطلق من محطته الأولى ...
فمن غير المعقول ألا يتعايش الناس في أوطاننا وهم انباء قومية وثقافة ودين
وحضارة واحدة!
إنه واقع مخجل تعيشه بلدانا...لكنه نتيجة طبيعية لاحتكار
(قوى بعينها) السلطة والثروة ،وحفاظاً على نفوذها نجد هذه القوى مُصَّرة على أن تبقى مهيمنة على الحكم، وتعمل في سبيل
ذلك على تعزيز الجهل والتخلف وافراغ بيئة المجتمع من انسانيتها؛ لأن غياب البيئة الإنسانية
العلمية كفيل بابقاء البلد في ربقة الاستبداد؛ لأن الاستبداد لا يظهر إلا في
بيئة تفتقر للعلم وتكاد تنعدم فيها إنسانية الحياة...ولكَ أن تفكر في هذا الطرح ولك الحق في أن تكون لك رؤية أخرى ، لكن على أن تقبل بي واقفاً بجانبك تحت سماء هذا الوطن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق