15 أكتوبر 2016

أدباء يمنيون يبيعون مكتباتهم لمواجهة آثار الحرب

                                                                                                            أحمد الأغبري

     لم يتوقع مُحَمّد، وهو من أبرز الأدباء في صنعاء ويرأس مؤسسة ثقافية ناشطة، أنه سيأتي يوم يبيع فيه جزءاً من مكتبته الشخصية، التي ظل يجمعها لأكثر من ثلاثين سنة، وتضم أمهات الكُتب، ويصل عدد عناوينها لأكثر من عشرة آلاف عنوان.
 


     يقع الأدباء والكُتّاب والمبدعون، عموماً، ضمن أكثر شرائح المجتمع تضرراً من تدهور الأوضاع الاقتصادية الناتج عن الحروب، وبسبب تداعيات الحرب المستعرة في اليمن منذ آذار/ مارس 2015 وصل الحال بالكثير من الأدباء والكتاب والمبدعين عموماً إلى مستوى يضطرون فيه إلى بيع مكتباتهم الشخصية.
 

ظل مُحَمّد يرفض تحت إلحاح أسرته بيع أي كتاب من مكتبته، لدرجة أنه أضطرَ لنقل جزءٍ كبيرٍ منها إلى مخزنٍ مستقل وبعيد عن المنزل؛ لكنه في الأخير وبعدما بلغت به الظروف الاقتصادية مبلغاً قاسياً لم يجد حلاً سوى بيع جزء من مكتبته الثمينة، «لم أتصور يوماً ما أنني سأبيع مقتنياتي من الكتب؛ فبعضها عليها توقيع الإهداء من أسماء كبيرة، إلا أن الظروف لا ترحم لدرجة لم يكن أمامي سوى بيع بعض منها لمواجهة بعض الالتزامات المعيشية لأسرتي».
 

وتمثل معاناة المبدعين أبرز مظاهر المعاناة المعيشية للمجتمع جراء الحرب لأسباب منها، أن هذه الشريحة لا دخل لها، غالباً، سوى ما تقدمه وسائل النشر، التي توقفت جميعاً في البلد، بالإضافة إلى ما تعود به وظائفهم في أجهزة الدولة، التي انقطعت معظم عائداتها وحوافزها باستثناء الراتب الأساسي الزهيد. ونتيجة لذلك بات في اليمن الكثير من أمثال مُحَمّد الذي اشترط عدم ذكر كامل اسمه حفاظاً على سمعته.. «باعتباره ما تبقى لنا»، وحتى لا يُفاجأ بمن يأتي إليه متفضلاً؛ لأن «ذلك بالنسبة لي مشكلة أكبر».
 

حالات كثيرة منها حالة الشاعر (…) العُديني الذي اضطرته الظروف الاقتصادية إلى بيع عدد كبير من مقتنياته من الكتب «وبثمن زهيد من أجل دفع إيجار المنزل الذي أسكن فيه مع أسرتي». لا يقتصر بيع المكتبات الشخصية على أصحابها، بل أن الأوضاع الاقتصادية السيئة التي يعيشها البلد تدفع ورثة صاحب المكتبة، وهم أبناؤه، غالباً، إلى بيع مكتبة أبيهم، ويؤكد أحد كبار تجار الكُتب المستعملة في صنعاء طه الحداد لـ»القدس العربي» أنه يأتي إليه البعض لبيع مكتبات آبائهم المتوفين بأي ثمن؛ لأنهم – كما يقول- لا يعون غالبًا قيمة ومكانة وأهمية ما تحويه مكتبات مورثيهم من عناوين». وتكون أحياناً مكتبة كبيرة لا يستبقي الورثة منها أي كتاب، حيث يبيعونها كاملة من أجل الحصول على المال لمواجهة متطلبات الحياة»، مؤكداً «لقد صرتُ إلى اقتناع بالمثل الدارج والقائل بأن الكُتب خيرُ مُكتسب وشرُ مُخلّف». ويشير الحداد إلى ارتفاع أعداد الأدباء والكتاب الذين باتوا يبيعون بعضا من أو كل مكتباتهم الشخصية، خصوصاً مع استمرار الحرب وارتفاع الأسعار وتراجع الداخل»، بل أن بعضهم كان يبكي لحظة البيع وبعضهم يتماسك إلا أنه، في داخله، يبكي حرقةً وألماً». كما يشير طه الحداد إلى مفارقة غريبة شهدها بيع الكتب المستعملة في اليمن خلال الحرب «ففي الشهور الأولى للحرب ومع توقف كل المعارض وانقطاع تجارة استيراد الكُتب الجديدة لم يكن أمام الأدباء والقراء سوى اللجوء إلى كُتب الرصيف لاقتناء ما يحتاجون… إلا أنه وبعد مضي عام على الحرب كانت الظروف قد بلغت من السوء مبلغاً لم يستثن أحداً فإذا بالكُتَّاب يعودون إلى كتب الرصيف ليس للشراء وإنما، هذه المرة، للبيع».


صحيفة القدس العربي 
14 سبتمبر 2016م





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق