15 أكتوبر 2016

مُحَمّد الغربي عِمران: تخلصتُ من الاعتقاد في المُسلّمات

                                            

                                                                   أحمد الأغبري

تمثل روايته «مسامرة الموتى» سلسلة روايات الهلال ـ القاهرة آب/أغسطس 2016 محطة متقدمة تقنياً وموضوعياً في مسار تجربته الروائية التي يواصل من خلالها النيل مما يعتبره زيف التاريخ، من خلال أعمال أدبية صرفة لا تهتم بسرد الوقائع وإن كانت تمثل مغامرات في متن التاريخ؛ إلا أن الكاتب اليمني مُحَمّد الغربي عِمران (1958) يهتم بالحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية لشخصيات التاريخ ويشتغل عليها روائياً في أعمال فنية ترتكز على تصورات وخيالات الكاتب، لكنها تصطدم بما أصبح يقيناً تاريخياً في الوعي العام. 


يقول عِمران، وهو الذي درس التاريخ وصدرت له خمس مجاميع قصصية وأربع روايات «مصحف أحمر 2010، يائيل 2012، الثائر 2014، مسامرة الموتى 2016»، إن مهمته في استخدام التاريخ في الكتابة الروائية هي مساعدة القارئ على التحرر من المسلمات لتتحول قراءته للتاريخ إلى تساؤلات واستنتاجات، من خلال رواية تُعيد قراءة التاريخ وفق خيال الكاتب القائم على ملاحظاته واستنتاجاته التاريخية، بعيداً عن المُسلّمات باعتبار التاريخ، أي تاريخ، لا يخلو من الزيف، كما يقول في حوار «القدس العربي» معه.
في رواياته الأربع اشتغل على التاريخ السياسي في بلاده مُعرضاً بشخوصه، فتناول في رواية «الثائر» رموز ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962، التي انتقلت باليمن الشمالي من الملكية إلى الجمهورية؛ فقال أو أراد أن يقول إن تلك الثورة، التي يتباهى بها اليمنيون، يقف وراءها شواذ، كما قال في رواية «مسامرة الموتى» الصادرة حديثاً، أو هكذا يريد أن يقول، إن إحدى ملكات التاريخ اليمني العامر، لم تكن سوى أنثى تحكمها غرائزها. يدافع عن تجربته قائلاً: أنا لا أكتب رواية تاريخية ولا أهتم كثيراً بالتاريخ وفق ما هو مُتعارف عليه. التاريخ المُتعارف عليه هو تاريخ شخصيات ومعارك وانتصارات وهزائم ويقَدِم لنا، هذا التاريخ، الشخصيات كقادة، لكننا لا نعرف شيئاً عن حياتهم الاجتماعية، في الوقت الذي علمني التاريخ الاجتماعي كيف أبحث خلف شخصية البطل الذي حقق الانتصارات، بمعنى أن تجربتي مع الرواية خرجت من التاريخ، وإن كنتُ كتبتُ الرواية مُستعيناً بالتاريخ، لكنني لم أكتب رواية تاريخية، سواء في رواية «مصحف أحمر» أو «يائيل» حيث ناقشت فيهما إشكالية استخدام الله والدين في خدمة السلطة لتحقيق غايات منها، استغلال البسطاء مثلما هو حاصل الآن. في رواية «الثائر» حاولتُ أن انتصف للرئيس اليمني السابق عبد الرحمن الإرياني لأن شخصيته لم تأخذ حقها كثيراً، ويمكن القول إنه كان الصانع الحقيقي للجمهورية وله إنجازات لم يحققها أحدٌ قبله، حاولت أن انتصر له في الرواية، ولكنني لم أستطع على الرغم من أنه كان هدفي، لكنني لم أستطع وأنا حزين لهذا. أما رواية «مسامرة الموتى» فهي عن الملكة أروى (ملكة الدولة الصليحية التي حكمت اليمن تحت راية الخلافة الفاطمية خلال الفترة 477هـ -532هـ) وهي امتداد لرواية «يائيل»، التي تتحدث عن الملك علي محمد الصليحي (مؤسس الدولة الصليحية) وقيام الدولة الباطنية في اليمن؛ إلا أن رواية «مسامرة الموتى» تتناول فترة الملكة أروى انطلاقاً من أن ما تحكيه كتب التاريخ عنها هو زيف وكذب بينما هي من وضعت زوجها الملك المُكرّم أحمد في السجن وهناك أُعدم وكانت وراء كثير من المشاكل.
• أنت بهذه الرواية تستفز شريحة من المجتمع إن لم يكن المجتمع اليمني كله الذي ينظر إلى الملكة أروى كرمز من رموزه التاريخية… فعلى ماذا اعتمدت في ما سقته عن هذه الملكة التي تناولتها الكثير من كتب التاريخ بإجلال؟
■ أنا استهدف التاريخ المزيف، ما نقرأه في التاريخ الإسلامي مليء بالزيف بما في ذلك التاريخ اليمني؛ الذي هو في الأخير تاريخ بمعنى أنه مجرد حدث… وهذا الحدث متى ما ألبسته أسماء أصبح مزيفاً وتتدخل فيه النوازع البشرية، وأنا كمؤرخ أفهم ما بين السطور، ما بالك بالرواية فعليها أن توغل في الشكل وتبحث عن مؤثرات الفعل ومسبباته، فالملكة أروى نقلت العاصمة من مدينة كبيرة إلى شِعب يسمى (جِبلة) كان يملكه يهودي يصنع الفخار لتوفر الماء فيه؛ فـ(جِبلة) لم تكن مدينة ولم تكن حتى قرية، وقد اشتراها الصليحيون (آل الصليحي عائلة يمنية أنشأت دولة وحدّت اليمن وحكمت البلاد باسم الدولة الصليحية خلال الفترة 439 – 532هـ). وأن تنقل العاصمة إلى شعب ليس حتى بقرية وأن يموت ولداها صغيرين واحداً تلو الآخر وأن تتولى الحكم متجاوزة سبأ الصليحي وهو الوريث بوصية الملك المُكرّم، فرغبة هذه المرأة في السيطرة جعلها تنفرد بالحكم في عهد زوجها مُدعية مرضه بينما كان صحيح البدن وقد احتجزته في حصن التعكر، ثم فجأة يموت مريضاً ويُنصّب ابنه الأول ثم ابنه الثاني ويموتان صغيرين!!… وشهد عهدها إبادة للذكور من أسرتها الحاكمة؛ هذه الأحداث وغيرها تجعل القارئ يفكر ويتساءل.
• كيــــف أفهم ما كتبته؟ هل أفهمه باعتباره تصحيحا لمسار التاريخ بمعنى أنك تكتب تاريخاً جديداً، بينما أنت في الأخير تكتب عملا أدبيا صرفا والعمل الأدبي له مقتضياته وأدواته وغيرها مما تقتضيه الرواية؟
■ ما كتبته هو عباره عن رؤى وتصورات وخيالات تعتمد على استنتاجات وتساؤلات، فأنا تخلصتُ من الاعتقاد بالمُسلّمات وعندما أقرأ التاريخ لا أعتقد بسلامته تسليماً مسبقاً؛ فأقرأ وأتساءل وأقرأ وأدوّن ملاحظات وبعد ذلك ابتعد عن التاريخ حتى انطلق في عمل روائي.
• في معظم رواياتك، خاصة روايتيك الأخيرتين «الثائر» و»مسامرة الموتى» يرى البعض أنك من خلالهما تستهدف بشكل مباشر النيل من التاريخ الوطني من خلال تناول شخوص هذا التاريخ في سياقات مُخلّة مما ينفي عنهم أي علاقة بالتاريخ الوطني…ما رأيك؟
■ أولاً: في رأيي لا يوجد تاريخ وطني. التاريخ هو تاريخ، والتاريخ في الأخير لا يخلو من الزيف، خاصة تاريخ الثورات والدول؛ فهو تاريخ يُدوَّن لصالح من يكتبه. كيف تتصور تاريخا يكتبه شواذ؟ أنا شاغلي الزيف والمشكلة أن هذا الزيف يقوم عليه هذا الوعي الذي يطحننا اليوم؛ بسبب غياب التفكير العصري، وإذا ظللنا هكذا فستتدهور أوضاعنا كثيراً؛ بمعنى لابد من بناء جديد يتجاوز واقع التخلف الذي نعيشه، وهو واقع التخلف الذي استهدفهُ في روايتي التي اشتغل عليها حالياً والتي تتناول مرحلة الثورة وإشكالية (الإمام والشيخ) باعتبارهما أحد أسباب التخلف، و(الشيخ) هو رمز لمفهوم الشرعية التي تتحكم في اليمن؛ فالدولة لا وجود لها إطلاقاً ولا تملك ما يملكه الشيخ، وأعتقد ليس من المنطق أن يقول لي أحد في الرواية المقبلة إنني أهدم مفهوم الدولة واستهدف التاريخ الوطني لليمن، فالتاريخ تاريخ أينما وجد لا يخلو من الزيف.
• وبم تصف علاقتك بالتاريخ وسلامته في روايتك؟
■ أنا اقرأ ثم آخذ الفكرة ثم أقرأ ثم أحلق من خيالي… بمعنى أنا آخذ قبساً من التاريخ لأشرح معاناة اليوم، لكن لا أريد أن توصف روايتي بالتاريخية، ولهذا عندما تعرضتُ لانتقادات بسبب ما اعتبره البعض أخطاء تاريخية في رواية «يائيل»، قلت لهم: أنا لم أقدّم تاريخاً ولكني استندتُ إلى التاريخ، أنا مشبع بالتاريخ وأقدمه اليوم في ثوب الواقع.

صحيفة القدس العربي 13 اكتوبر 2016م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق