هُدى أبلان: المبدع لا يزال مؤثراً في القرار السياسي
أحمد الأغبري - مجلة دبي الثقافية
هُدى
أبلان شاعرة حقيقية لها قصيدة جديدة تنشد فيها الحُلم على إيقاع الألم والأمل
الانسانيين، وتستنطقه في نص حداثي الشكل والموضوع واللغة برزت من خلاله أبلان من
أهم أصوات القصيدة اليمنية وضمن أهم العناوين النسوية في الشعرية العربية الحديثة.
تأتي قصيدة النثر لهذه الشاعرة اليمنية الرائدة متدفقة جديداً وجمالاً وادهاشاً في الشكل والمحتوي، متميزةً باشتغال شعري مكثف وأسلوبي أكثر تمرداً، متجاوزة داخلها الإنساني إلى أفق أوسع وبتقنيات شعرية تطورت كثيراً وقاموس لغوي يتجدد كثيراً ورؤية تبتهج بالأمل في مواجهة مرارات الألم.
بدأت كتابة الشعر في ثمانينات القرن الماضي،
وظهرت "ورود شقية الملامح" في العام 1989م، وبعد ثماني سنوات وتحديداً
في العام 1997م تجدد حضورها في "نصف انحناءة " لتأتي في العام 1998م في
"محاولة لتذكر ما حدث "، وهو الديوان الفائز بجائزة ابداعات المرأة في
الأدب في الشارقة في نفس العام، وفي العام 2000م تجلت في "اشتماسات"، وفي
العام 2010م صدر ديوانها الخامس "اشتغالات الفائض".
على
الرغم من عملها السياسي والنقابي والإداري والمواقع والمناصب التي شغلتها وتشغلها كنائب
وزير الثقافة وأمين عام اتحاد أدباء اليمن حالياً ...إلا أنها تعتز فقط بصفتها
شاعرة.
عن تجربتها مع الشعر وعلاقتها بالقصيدة
كان هذا الحوار:
بدأت علاقة هُدى بالشعر منذ
طفولتها، ومن نقاء وصفاء وجمال تلك المرحلة ماتزال تُغذي وهجها الإنساني الابداعي...تتحدث
مبتهجة: "الطفولة هي كل تجربة هدى أبلان،
لأن الشاعر الحقيقي كائن غير قابل للنمو، يظل مختبئاً داخل تفاصيل تكل المرحلة.
وهي مرحلة شعرية أولى ومتقدمة وحقيقية؛ لأنها مرحلة الأحلام والخيال والصفاء ...طفولتي
ماء ابداعي".
وعلى الرغم من بهاء الحضور الجمالي للحُلم في قصيدتها إلا أن الألم يكاد
يختزل ويؤطر علاقتها بالشعر..تقول:"لا أقترب من محراب الكلمة إلا وأنا مكللةً
بالرغبة والحُلم معاً ...لابد لي من استدعاء رميم الألم المتناثر وتجميع الوجع
والبدء في تدوين ما تيسر من البوح، الكتابة لدى حالة تجل حقيقي تأتي بصعوبة ولا تغازلني
إلا بعد أن أوقّع جرحي على دفتر الحياة.
احتفاء الشاعرة بالألم حال الكتابة لا ينطفئ حتى
وهي في لحظات ابتهاج...تستطرد: "الألم هو وقود الكتابة، حتى وأنا في قمة سعادتي،
أحرص على أن انتشى برذاذ الألم، لأن الكائن الكامن داخلي هو جمعي إلى حد ما، لا يمكن
له أن ينفرد باستراق رنين ضحكة لا يدوي لها الآخرون.
لكنه في الأخير ألم لا لون ولا طعم
له...تؤكد: "اعترف أن ألمي لا لون له، لكن يكفيني أن يأخذ لون الحبر المسفوك
على الورقة. اعترف أن ألمي لا طعم له، لكن يكفيني أن يأخذ كل مرارات المحيط، وأعترف
أن ألمي هو الوردة التي لا تذبل إلا بعد نشر رسالتها وعبيرها لذلك اعتبر نفسي لم أحقق
في الشعر كثيراً، لأن تجربتي تحاول صوغ طعم لون ورائحة الحياة التي مازلتُ أحاول
فك رموزها.
وفي حديث الأرباح والخسائر في
علاقتها بالشعر بعد أكثر من ثلاثة عقود... لا تتوانى عن نصب شوكة الميزان...:"الشعر
أعطاني كثيراً من الخوف والقلق من احتمال انطفاء جذوته داخلي، كما وهبني إحساساً
جميلاً بارتفاع ذاتي من إطار الآدمية كهيكل إلى أُفق معايشتها كامتياز آلهي يُعنى
بتهذيبها وسموها الروحاني الكبير.
أما
عن طقوس هذه الشاعرة مع الكتابة فتبدأ من انبثاق الفكرة الشعرية...: "قد تكون
في أية لحظة، وأنا أمشي في الشارع أو أنظر من نافذة، لكن هذه اللحظة لا تكون
اعتيادية، إنها لحظة تجل تكتمل لاحقا.
وعلى الرغم من كل هذا هي مُقّلة في الكتابة...وذلك: "لأن هاجسي في
الخصوصية والابتكار هو المهيمن".
تنقلت تجربة هُدى أبلان الشعرية بين الأشكال واستقرت عند قصيدة النثر؛ لأنها
وجدت فيها مساحة مفتوحة تُجيد فيها ما وصفته (لعبة القفز) ...تقول: "أنا
واحدة من شعراء قصيدة النثر، وهي نص مفتوح على الحياة بكل اشكالياتها وضجيجها
ومفارقاتها، تجعلك تُجيد لُعبة القفز وصولاً إلى الغلاف الجوي للوجود.
لكن تَميزُ هُدى الشاعرة يتجاوز كتابة هذا الشكل من الشعر إلى قراءتها
المنبرية لهذا النص الصعب والنخبوي...والسبب: "لكوني تماهيتُ مع هذا النص حتى
أصبح كلانا حياة قائمة في ذات الآخر. لذلك أقرأ مسوداتي أمام الصغار والكبار
المعنيين وغير المعنيين، أشعرُ أن نصوصي تشبه الجميع، وأرى كلماتي تضئ في عيون
العالم من حولي".
تمتازُ تجربة أبلان باشتغال مختلف على
التجريب والتجديد الشعري والذي يأتي انطلاقاً من رؤية استوعبت متطلبات الاشتغال
على الشكل والمحتوى في آن...:"التجريب لابد أن يكون انطلاقاً نحو ابداع حقيقي
ومتين، ويظل الشكل يشغل المهمومين، ناهيك عن أن تغذية هذا التجريب الشكلي يحتاج
تحركاً في إطار من الرصد والقراءة والمتابعة عبر وسائط إعلامية مختلفة ومتاحة، بينما
التجديد في المحتوى يحتاج تجربة حية، جغرافيا مفتوحة وعوالم قادمة إلينا وذاهبون
نحوها بكل آليات الاكتشاف".
وبقدر إيمان هذه الشاعرة بأهمية
التجريب وضرورة التجديد؛ هي في المقابل موقنة تماماً بالتراث واهمية الاستفادة منه
وتمثله وخلق توازن غير صدامي معه ...تُفسر: "الموروث غيمة دائمة الامتلاء وما
نتخطاه زمناً لا يمكن أن ندوس عليه بأقدامنا... لذلك يحتاج الموروث إلى إعادة
انتاج وعينا به كذاكرة وكمضمون وكمعطى ومنجز لبشر هم مثلنا، لنا أن نتمثلهم دون
فرض تاريخي لشكل إبداعهم علينا بطريقة هندسية قاسية تقتل إمكانية الابتكار
والتجديد مع زمن الركض والتقنية، فالأمر ليس صعباً في إيجاد التوازن غير الصدامي
مع الموروث، المهم ألا يكون خروجاً عليه لمجرد الخروج، يجب أن نقدم البديل الممتلئ
به وفق هندسة اصابعنا الجديدة".
على الرغم مما تُحدثه التقنية وثقافة
الصورة في حياة الناس، تعتقد هُدى أن التقنية لن تحل محل الورقة والقلم وأن الشعر
لم ولن يتراجع...تقول:" رغم المظاهر الموحية بأن الشعر قد انزوى وهُمّش وأنه
متداول نخبوي، إلا أنه مازال محتفظاً بقدرته على تسيّد المشهد، لأن ثقافة الصورة
هي ثقافة الراكضين واللاهثين وراء اللاجدوى.لا يمكن أن تعيش الأمم مفرغةً من عمقها
الفكري لمجرد أن التقنية أرادت وحددت هذا. أجزم أن المبدعين لن تنكسر أقلامهم سعياً
وراء السراب المؤقت وإنما في ظل الصخب المتصاعد سيحتفظون بقدرتهم على العودة لأخذ
مكانتهم الحقيقية في مساحة التأثير.
وتضيف مؤكدة:" لا أتصوَّر أن
تحلّ التقنية محل الورقة والكتاب، أقبلها في كلّ المجالات إلا في الشعر، ومن
الممكن أن نستفيد من التنقية في تقريب المسافات وتسويق النص، لكن الكتاب يظل
محتفظاً بدفئه كمساحة من الإحساس الجميل نمارس معه مغامرة التداول والانبهار".
وبخصوص أسباب اختيار الشاعرة للسياسة تخصصاً
دراسي ومجال عمل؟ تُجيب: "أنا درستُ العلوم السياسية بروح المؤمن بأنها شر
لابد منه كي أتعلم منها كيفية إدارة النفسيات والبرامج، وكيف لنا أن نظل في حالة
توازن مع معطيات الواقع من بشر ومضامين، كيف نتدرج في قتل الظلام وإزالة الحلكة
وصناعة أفضل. عندما نترك هذا الميدان للأقل إحساساً من الناس ونهرب...نعيش حينها
السلبية بكل إفرازاتها. أنا مؤمنة بالسعي نحو فاعلية وتأثير المبدع على القرار
السياسي، والتأريخ هو الأقدر على فرز صُناعه وتقديمهم دون أوراق التوت".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق