31 يناير 2017

الناقد هشام بن علي: لم يشهد اليمن مشروعا ثقافيا وطنيا


                                                                                                     أحمد الأغبري

 منح اليمن، حتى عام 2014، وفق إحصاءات رسمية 1155 مؤسسة مجتمع مدني تراخيص بمزاولة العمل الثقافي؛ إلا أن 20٪ منها فقط هي التي كانت تُجدد تراخيصها سنوياً، وأقل من 10٪ بقيت تُمارس نشاطاً وتسجل حضوراً، حتى كانت الحرب الراهنة، التي تسببت في إغلاق معظمها، ليبقى منها حالياً، فقط، ما لا يتجاوز بضع منصات تقريباً.
في محاولة للحصول على مقاربة لتجربة المؤسسة الثقافية في اليمن قبل وخلال الحرب، كان هذا الحوار مع الكاتب والناقد اليمني هشام بن علي: 


 
هشام بن علي
أحمد الأغبري

 ■ إلى أي مدى يمكن الربط بين حضور الدولة المدنية وتأثير المؤسسة الثقافية؟
□ العلاقة وثيقة لكنها ليست طردية بذات الاتجاه في كل الأحوال؛ لكن في الغالب كلما تجسد حضور الدولة المدنية التعددية الديمقراطية الحديثة، كان أُفق تعبير المؤسسة الثقافية عن نفسها أكثر تجسيداً لحياة المجتمع الثقافي بشكل عام. واعتقد أنه في حال تضافر هذه الأدوار إلى جانب المؤسسات الثقافية، كاتحادات الأدباء وأندية القصة وجمعيات الرواية والنقد، ومختلف أشكال المؤسسة الثقافية، يمكن أن يكون هناك دور ثقافي فاعل يتطور مع الزمن، سواء في علاقة المؤسسة بالمعرفة والثقافة أو في معرفتها وعلاقتها وتأثيرها بالمحيط الاجتماعي والثقافي، وفي المقابل يمكن الحديث عن دور للمؤسسة الثقافية في تطور الدولة من خلال اسهامها في تكريس ثقافة التطور في المجتمع، التي تنعكس في وعي الدولة ومستقبلها على المدى البعيد.
■ في اليمن ظهرت مؤسسة ثقافية مؤثرة وقوية في عهد التشطير والحكم الشمولي، قبل إعادة تحقيق الوحدة عام 1990، فيما ظهر بعد الوحدة عدد كبير من هذه المؤسسات، لكنها بقيت رأسية النشاط غائبة في التأثير الأفقي. كيف تقرأ هذا؟
□ في سبعينيات القرن الماضي ظهرت أول مؤسسة ثقافية يمنية نقابية كبيرة، وهي اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، ونتيجة لأن نظامي الحكم في الشطرين كانا شموليين حينها، فقد كان الاتحاد المظلة التي لجأ إليها المثقفون من مختلف التيارات السياسية، لممارسة نشاطهم بحرية داخل الاتحاد، ولهذا كان الاتحاد منذ تأسيسه عام 1970 موحداً في دولة مشطورة، ومثّل بذلك مرحلة متقدمة، علاوة على تأثير قراراته ومخرجاته في مسارات قرارات الدولة في الشطرين، كما لا يُنكر أحد مدى اسهام الاتحاد في إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، لكن بعد إعادة تحقيق الوحدة، شهدت المؤسسة الثقافية في اليمن مرحلة جديدة؛ فإعلان التعددية السياسية أسهم في ظهور عدد كبير من الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، بما فيها مؤسسات العمل الثقافي، وشهد اتحاد الأدباء والكتاب، في مرحلة ما بعد الوحدة، تراجعاً بسبب توزع كثير من قياداته بين أحزابهم، ودخول التنافس الحزبي والسياسي مرحلة أصبح فيها الاتحاد جزءاً من هذا التنافس والصراع والتجاذب، الذي ظل يتصاعد حتى تسبب في صراعات ظلت تتضخم داخل الاتحاد، ما أضعفه وعطله تماماً. لقد كان التفكير الاستبدادي يتحكم بوعي الحاكم، وبالتالي لم تكن بيئة التعددية صحية، ولهذا لم تثمر نتائج حقيقية، وإن كان هناك تحول بسيط؛ إلا أن تأثيره العام بقي هامشيا. على صعيد المؤسسات الثقافية تكفي الإشارة إلى أن وزارة الثقافة منحت أول ترخيص لمؤسسة ثقافية غير حكومية عام 1992، وتوالت التراخيص حتى وصل عددها بعد أكثر من عشرين سنة، وفق سجلات التراخيص الرسمية حتى عام 2014، إلى أكثر من ألف مؤسسة، لكن لم يعمل منها في الواقع أكثر من 10٪، ولم يستمر حتى الآن، خلال الحرب، سوى بضع مؤسسات تقريباً.. والأسباب تعود في معظمها، إلى تعدد أشكال هذه المؤسسات وانحصارها في أنماط معينة وقصور رؤيتها وإمكاناتها في تنفيذ برامج لا ترتبط بشكل مباشر بالعمل الثقافي الكبير وبالمجتمع، فكثير منها كانت تطمح، بدرجة كبيرة، إلى الحصول على الدعم والتمويل؛ وحتى تمويل هو للأسف لا يمكنها حتى من الانطلاق بعيداً وواسعاً، ومثل هذه الكثرة العددية في المؤسسات الثقافية في العقدين الأخيرين هي ظاهرة صحية وطبيعية؛ فوجود عدد كبير من هذه المؤسسات بمشاكلها أفضل من عدم وجودها، ومهما كان القصور يُفترض أن يحضر شيء من الثقافة ولو محدود، والمجتمع بطبيعته الناقدة لن يسمح باستمرار إلا ما يصلح لإعادة إنتاج المعرفة والثقافة، ولهذا فإنه لم يبق من تلك الكثرة من المؤسسات سوى عدد قليل. وهنا لا نختلف في أن واقع الدولة المتخلف أسهم في تأخر تطور واقع هذه المؤسسات، فلو كان واقع الدولة أفضل، فبالتأكيد كان وضع المؤسسة الثقافية سيكون أفضل. وما حصل للمؤسسة الثقافية خلال الحرب دليل على مدى وعي السياسي بمكانة هذه المؤسسة، فتم استهدافها ما تسبب في إغلاق الكثير منها والبقية التي تمارس نشاطها تعمل ثقافياً بشكل مجرد عن أي مواقف تجاه الحالة السياسية.
■ هل راهن البلد يشيّ بإن المؤسسة الثقافية اليمنية غير الحكومية فشلت في مهامها، وهل يمكن اعتبار الحرب إدانة لكل هذه المؤسسات؟
□ لا يمكن الحديث، بأي حال، عن فشل المؤسسة الثقافية، لكن في ما يتعلق بمهامها تجاه المثقف والمحيط الاجتماعي والثقافي فهناك قصور وتقصير؛ فهذه المؤسسة الحكومية وغير الحكومية لم تعمل وفق خطط مُعدّة استناداً إلى رؤى استراتيجية تستهدف التغيير الاجتماعي والثقافي؛ فرؤاها وإمكاناتها محدودة؛ وبالتالي فبرامجها وأجندتها لم تتعاط مع مسؤولياتها الاجتماعية بوعي وطني مدني خالص، ولهذا كان نشاطها يستهدف المثقف في المراكز وليس حتى كل المثقفين، وفي المقابل لم تتجه نحو المجتمع من خلال برامج بحجم الوطن، وربما ليس عن سوء نية، ولكن هو ناتج عن سوء تقدير وفهم لطبيعة مهامها وعلاقتها بمجتمعها من جانب، ومن جانب آخر ناتج عن ضعف إمكاناتها وقصور وعي القائمين عليها. كما لا نجد في القائمين على هذه المؤسسات شخصيات ثقافية كبيرة، وهو ما ضاعف من ضعفها أمام تحديات السياسي الاستبدادية الاستحواذية… فبعد أربعة عقود من عمر المؤسسة الثقافية غير الحكومية في اليمن ستلاحظ أنها تراجعت لصالح مؤسسات لا علاقة لها بالثقافة الوطنية، ولا تمت بصلة لروح العصر. أما الحرب فهي تمثل إدانة لكل مؤسسات المجتمع الثقافية وغيرها، لأن الحرب هي الاختبار الصعب لمدى تأثير مؤسسات إنتاج المعرفة.
■ هل أفهم من كلامك أن اليمن لم تشهد حتى اليوم مشروعا ثقافيا على امتداد البلد يستوعب أفق العالم؟
□ الحديث عن مشروع ثقافي بهذا المستوى يحتاج إلى حاكم يعي مهمته في مواجهة الاستبداد، واليمن الحديث لم يشهد حاكماً يواجه الاستبداد، ولهذا تجد حضوراً طاغياً للتفكير الشمولي أينما ذهبت، ففي كل المجالات تجد رغبة الاستحواذ في استلام الراية والقيادة منفرداُ، هو الطاغية حتى في العمل الثقافي… فكثير من المثقفين يفهمون التنافس الثقافي على أنه الانفراد بالسباق، لا أن تسير مع الآخرين؛ وبالتالي تجد حرباً ضروسا بين المثقفين على القيادة، ومثل هذا لا يُجدي في العمل الثقافي؛ لأن العمل الثقافي عمل كبير ينطلق من مشروع يمتد بامتداد الوطن وفق وعي عالمي إنساني، ولو بحثنا عن مشروع ثقافي في اليمن بهذا الامتداد والاتساع سنجده مازال غائباً ولم يتبناه أحد، لا الدولة ولا المؤسسات الأهلية ولا الأحزاب، ولا حتى شخصيات ثقافية كبيرة. ومثل هذا المشروع لو كان حاضراً فإنه كان سيمثل اليوم قارب النجاة للبلد، لأنه كان الأكفأ لتولي مشروع المصالحة الوطنية، ولأن الثقافة هي الأجدر بتولي هذا المشروع باعتبارها الأرضية التي يمكن أن يلتقي عليه جميع الناس.

هشام علي بن علي: كاتب وناقد يمني من أبناء مدينة عدن ومن القيادات السابقة لاتحاد أدباء اليمن، وشغل سابقا مهام رئيس تحرير مجلة «الحكمة» الصادرة عن الاتحاد ورئيس تحرير مجلة «الثقافة» الصادرة عن وزارة الثقافة، كما صدر له عدد من المؤلفات النقدية في الفكر والأدب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق