 |
| أحمد الأغبري مع الدكتور عبدالعزيز المقالح في مكتبته |
|
د.عبد العزيز المقالح :
لمكتبتي الشخصية حكاية مؤلمة ومحزنة
أحمد
الأغبري
مَهمةٌ صعبة أن تُقدم علماً هو
أكبر من أن تُجدد تقديمه أو يتفتق عن طاقتك اللغوية وصفاً يوازي، على الأقل، ما قد
قاله فيه مجايلوه من كبار الكتاب اليمنيين والعرب والأجانب في دراساتهم وترجماتهم
الكثيرة لتجربته ...تجربة لا شك أنها استوعبت وتختزل (شعراً وفكراً وتاريخاً)
اليمن المعاصر، كما تمثل رقماً كبيراً في حسابات المنجز الشعري والأدبي العربي
والعالمي...
قلما تجد كاتباً في حياته
اليومية يعيش ما يكتبه...ولعل أبسط وصف
يختزل عظمة تجربة شاعر اليمن الكبير
الدكتور عبدالعزيز المقالح، أن حياته اليومية هي الوجه الآخر لقصائده
وكتاباته...لم يجاف يوماً قيم الحب والتسامح والسمو، كأنه التعريف الإنساني لكل تلك
القيم ... يعيش حياته بحيوية تدهشك، فانشغالاته في الوظيفة العامة لم تؤثر على علاقته
بالقصيدة،وكذلك بالمجتمع، إذ لم يغلق أبوابه عن الناس، كما لم تغره وتسلبه إرادته
وكلمته وتشغله عن القضية الوطنية؛ فكان ومايزال ،منذ نحو نصف قرن، وفياً لقصيدته
وقضيته ووطنه وقوميته وأمته وإنسانيته.
ونحن نحاول تقديم قراءة
مختلفة لزاوية جديدة من تجربة هذا العملاق، لم تكن مكتبته الشخصية وعلاقته
بالقراءة والكتابة سوى استهلال بديع لقراءة أخرى أكثر إدهاشاً أطلعنا من خلالها
على جانب من حياته اليومية ببعض تفاصيلها العائلية وعلائقها المجتمعية على صعيد
الأصدقاء والأدباء والناس واليمن والقضية عموماً...فكانت هذه المقابلة عن مكتبته
الشخصية التي لم يدخلها أحدٌ منذ عشرين سنة؛ فكانت "دبي الثقافية" أول
من يكشف النقاب عنها بوصفها أكبر مكتبة شخصية في اليمن، ومن خلالها نُعيدُ قراءة
تجربة المنجز الشعري الإنساني اليمني من خلال قصيدة وحياة هذا الشاعر العظيم.
يعيش الدكتور المقالح
حياته بحيوية منقطعة النظير؛ فهو يمضي ست
ساعات يومياً في القراءة والكتابة، والأكثر إدهاشا أنه يمضي أكثر منها مع الناس
سواء في مكتبه بمركز الدراسات والبحوث اليمني الذي يرأسه و في قاعة دروسه مع طلبته
من باحثي مرحلتي الماجستير والدكتوراه بجامعة صنعاء و في الفعاليات الثقافية وكذا
في مجالس أصدقائه عصراً...
كما أنه مع الناس في كتاباته الشعرية والصحفية لم يبتعد
عنهم وينشغل عن معاناتهم ملتزماً موقفاً نبيلاً ذائداً عن مستقبل الوطن وحقوق
المواطنة منافحاً عن قيم الثورة والوحدة...لم تتغير مواقفه ولم يجامل في كتاباته
الصحفية سلطة أو معارضة منتقداً كثيراً من الظواهر محللاً ناصحاً
ومحذراً......ولقربه من الناس وهموم الوطن فإن مقاله في يوميات صحيفة الثورة
الحكومية الصادرة بصنعاء؛ يكاد يكون المقال الصحفي الوحيد الذي ينتظره ويقرأه معظم
القراء من اليمنيين...ففي كل ثلاثاء يكون اليمن على موعد مع المقالح ليقرؤوا راهن
اليمن من خلاله ويجدون في تلك الأبيات التي يذيل بها مقاله تفسيراً لمعاناتهم
وتطلعات واقعهم ...وكذلك هو في كتاباته الشعرية؛ فعلى الرغم من أنه يشغل منصباً
حكومياً رفيعاً، يكفيه أنه ،حتى اليوم، لم يكتب قصيدة مديح واحدة.
عندما تزور منزله يُدهشك
تواضع وبساطة المبنى مقارنة بالمنازل المجاورة في الحي، الذي يُعد من الأحياء
الراقية في العاصمة صنعاء...
وأنت تدلف إلى صالة الاستقبال البديعة، في هذا المنزل
الجميل، تكون الكتب أول من يحييك برائحة الحبر والورق التي تنبعث بالتأكيد من
الكتب التي صارت جزءاً أصيلاً من نسيج البيت...
إلى صالة الاستقبال يفتح الدكتور عبدالعزيز باب إحدى الغرف؛ لأقف بجانبه
على مشهد تسمرت أمامه مُعجباً ومتعجباً...أعداد كبيرة من الكتب مرصوصة على الرفوف
المسندة إلى جدران الغرفة وتلك الرفوف المنصوبة في وسطها وأكثر منها مكومة في
الأرضية والممرات بين الرفوف...كتب ماتزال مخطوطة وأخرى صدرت قديما و ربما من
الصعب الحصول عليها حالياً...وأخرى تمثل أحدث الإصدارات، ومن هذه الكتب التي دخلت
المكتبة حديثاً يشير الدكتور عبدالعزيز إلى بعضها موضوعاً على رف عند عتبة الباب،
منها طبعة فاخرة من المجموعة الكاملة لأعمال الروائي العالمي العربي الكبير نجيب
محفوظ.
لم تكن تلك الغرفة وحدها هي
المكتبة؛ إذ فوجئت بالدكتور عبد العزيز يأخذني إلى غرفة مقابلة تمتلئ رفوفها
بالكتب، بينما تتزاحم في أرضيتها الكثير من الصناديق المليئة المكتظة بالكتب
أيضا...
لم تنته الحكاية؛ فإلى تلكما الغرفتين ثمة غرفة ثالثة في بدروم المنزل مكدسة
بالكراتين المليئة بالكتب، التي تجدها، أيضاً، متناثرة في بعض زوايا البدروم وعلى
السلالم أيضاً. لم تكتف الكتب بنصيبها من البدروم والطابق الأول،بل صعدت إلى
الطابق الثاني،وتكاد غرفة نوم الدكتور عبدالعزيز تكون هي الغرفة الرابعة
لمكتبته...
كأني بالبيت صار من حق الكتب ...عندما قلتُ ذلك للدكتور عبدالعزيز، بعد
أن أنهيت المقابلة، وقد صرنا في حديقة المنزل.. ابتسم وقال لي، وهو يأخذ بيدي إلى
خلف المنزل: سيكون الحل، يا أحمد – كما حدثتك -في أن أبني غرفة كبيرة هنا يتصل
بناؤها بغرف المكتبة بالطابق الأول لعلها تستوعب مكتبتي الشخصية... تفصيلات كثيرة
ناقشناها في هذه المقابلة:
* لا يمكن إنكار أو تجاوز دور
المكتبة الشخصية في تطور تجربة أي مبدع.. بل إن أحدهم ربط ميلاد تجربته ببداية
تأسيس مكتبته الشخصية قائلاً "لقد ولدتُ ومكتبتي الشخصية في يوم
واحد"...
- هذا الكلام صحيح إلى حد بعيد؛ فالكتاب
رفيق المبدع ووسيلته إلى الظهور وإثبات وجوده ...ومن المهم أن يولد المبدع في بيت
للكتاب فيه وجود ما؛ لكي ينشأ على احترام الكلمة المكتوبة؛ ولكي ينظر إلى الكتاب
كمصدر من مصادر المعرفة والمتعة، وهذا، في ظني، ما حدث لغالبية الكتاب والمبدعين، ليس
في الوطن العربي وحسب وإنما في العالم.
* وبالنسبة لك أنت ...؟
- من حسن حظي أنني ولدتُ في بيت يحتل الكتابُ فيه مكانة لا بأس بها
...صحيح إنه بيت ريفي، وفي قرية لم تدخل بعد معجم البلدان، لكن جدي لأمي كان بحَّاراً وعمل على باخرة أمريكية
لأكثر من 50سنة، وكان حريصاً، في كل زيارة يعود بها إلى القرية ، أن يحمل معه بعض
مظاهر الحضارة الحديثة، كالزجاج والمرايا والصناديق المزخرفة وبعض الكتب
والمجلات...بالإضافة إلى أن والدي ،قبل أن يتزوج والدتي، كان طموحاً محباً للقراءة
وكتابة الشعر، وقد حاول أن يلتحق بالدراسة في الأزهر، ولم تساعده ظروفه المادية في
الاستمرار، لكنها لم تبعده عن الدراسة والأدب والعمل السياسي، الذي دفع ثمنه عشرين
سنة في سجون الإمامة ...وعندما عاد إلى القرية حمل معه مجموعة من الكتب كانت محل
تقدير وتقديس بالنسبة لسكان المنزل ...وكانت جدتي لأمي امرأة أميَّه، ولكنها كانت
تُحب الكتب كثيراً وتُقدِّس كل ورقة مطبوعة،حتى لو لم تكن بالحروف العربية؛ فكل
شيء مطبوع على الورق كان، بالنسبة لها، مقدساً...ربما
أكون تعلمتُ منها هذا الاحترام للكتاب والكلمة المطبوعة، وقد أهديتُ إليها واحداً
من كتبي اعترافاً بفضلها.
بداية
الاهتمام بالأدب
* هل تتذكر الكتب الأولى التي اقتنيها وقرأتها في أوائل العمر،
وفتحت أمام تفكيرك آفاق غير اعتيادية
عززت من علاقتك بالكتب والأدب...الكتب التي تبلورت معها حاجتك إلى مكتبة
شخصية...كيف كانت تلك البدايات؟
- كنت تلميذاً في السنة الرابعة ابتدائي، وفي تلك المرحلة انتبهتُ
الى وجود مجموعة من كتب الأطفال، كان والدي قد اشتراها من مصر ومنها "القراءة
الرشيدة "و" المطالعة المختارة"، وكانت هذه الكتب دليلي الأول إلى
القراءة في اواخر الأربعينيات، وقد أضفتُ إليها يومئذ بعض الكتب التي كانت تسمى
بالصفراء لأقدميتها في الطبع ولكونها مطبوعة على ورق اصفر، وكانت تباع في دكان شبه
مجهول في السوق القديم المؤدي إلى باب اليمن (البوابة الشمالية في سور مدينة صنعاء
القديمة) .. ومن هذه الكتب كتاب من التراث عن عصر دقيانوس
(زمن أهل الكهف)، وقصص جُحا وبعض حكايات كامل الكيلاني .. وكنت أضعها في صندوق
خشبي صغير مع شهادات السنوات الدراسية، التي كنت أحصل عليها، حينها، من مدرسة
الإرشاد بصنعاء (مدرسة أبن الأمير الصنعاني حالياً)...وكانت تلك الشهادات مكتوبة على
ورق بخط اليد..
وعندما انتقلت الأسرة من
صنعاء إلى مدينة حجة (شمال اليمن وتبعد 123كم عن صنعاء)؛نتيجة وجود والدي في سجن
تلك المدينة المغلقة إبان الحكم الأمامي... بدأ اهتمامي بالأدب، واستطعتُ الحصول
على بعض الكتب عن طريق أحد تجار المدينة،من الذين كانوا يسافرون إلى عدن في منتصف الخمسينيات
من القرن الماضي،حيث كان يمدني ببعض الكتب من أهمها كتب طه حسين وجبران خليل جبران
ويوسف السباعي وتوفيق الحكيم والمنفلوطي والرافعي مع ديواني المتنبي وأبي العلاء
المعري وديواني شوقي وحافظ إبراهيم ..كنتُ مهتماً بهؤلاء ..مستمتعا بقراءتهم وحفظ
نماذج من اشعارهم.
المكتبة الأولى
* من الكتب الأولى؛ أيها كان أكثر تأثيراً في بلورة رؤيتك للحياة والمعرفة
والإبداع، وهل ماتزال تحتفظ بتلك الكتب التي شكلت نواة مكتبك الشخصية؟
- لا أنكرُ تأثير طه حسين ومن
خلال كتاب "الأيام" خاصة، كما ينبغي أن أشير إلى تأثير الكتابات الشعرية
للرافعي، من خلال كُتبه المعروفة: "أوراق الورد" و"السحاب
الأحمر" و"حديث القمر "و"رسائل الأحزان"، بالإضافة إلى
كُتب جبران خليل جبران و زميله المفكر العربي الكبير ميخائيل نعيمه ،لاسيما في
كتابيه الشهيرين "مرداد" و"جبران خليل جبران" ...وفي هذا
الصدد يمكن الإشارة إلى أهم كتاب لـ"توفيق الحكيم" وهو كتاب" عصفور
من الشرق"... ربما شكلتْ هذه الكُتب،بالنسبة لي،النواة الأساسية في تأسيس
المكتبة الشخصية الأولى..
* المكتبة الأولى؟..أفهم من حديثك أنه على مدى تجربتك كان لك أكثر من
مكتبة؟
- نعم ..
* ما حكاية هذه المكتبات؟ هل تتفضل بسرد موجز للمراحل التي مرت بها
تجربتك في علاقتها بالمكتبة الشخصية منذ تلك البدايات بدءاً من المكتبة الأولى؟
- لي قصة محزنة مع مكتباتي الشخصية
التي مرِّت بخمس مراحل، وكل مرحلة تكاد تكون منقطعة عن سابقاتها ..
المرحلة الأولى: مرحلة التلمذة في صنعاء، ومكتبتي في هذه المرحلة تبددت
كُتبها ولم أعثر عليها. المرحلة الثانية.. كانت في مدينة حجة، وهذه المكتبة أيضا
ضاعت و توزعها الأصدقاء. وعندما عدتُ إلى صنعاء بدأتُ بتأسيس المكتبة الثالثة،
وساعدني على ذلك أن أتيحت لي في أواخر الخمسينيات فرصة القيام برحلتين إلى مصر و
رحلة إلى الخرطوم وجمعتُ في تلك الرحلات عدداً لا بأس به من الكتب...واكتشفتُ في
تلك المرحلة روائياً كبيراً هو نجيب محفوظ...وعلى مدى ما يقرب من عشر سنين كوَّنت
في هذه المرحلة مكتبة جيدة في صنعاء تضم أفضل ما صَدر، في ذلك الحين، من دواوين
شعرية وأعمال روائية ونقدية وكتابات فكرية.
في العام 1966م تركتُ
صنعاء لمواصلة دراستي الجامعية في القاهرة، وانقطعتْ صلتي بمكتبة صنعاء، وعندما
رجعتُ إليها، بعد أكثر من اثنتي عشرة سنة، كانت قد تبددت، ولم يبق منها سوى عدد
قليل من كتب ومجلات لا قيمة لها .
خسارة مريرة!!
وفي الفترة التي أمضيتها
طالباً في الجامعة وباحثاً في مرحلتي الماجستير والدكتوراه نجحتُ في تكوين مكتبة
متميزة استغرقت نصف الشقة التي كنت أسكنها في منطقة نادي الصيد بالقاهرة، ولكن
ظروف إبعادي عن القاهرة بعد زيارة الرئيس السادات للقدس اضطرتني إلى ترك كل كُتبي
ومشاريع كتاباتي وقصائدي في الشقة التي تم إغلاقها بالشمع الأحمر في ديسمبر1977م،
وتمكن صاحب البيت من الاستيلاء على الشقة وما فيها من أثاث وكتب وحصيلة مرحلة
ثقافية خصبة في تجربتي مع الأدب والمكتبات. تلك كانت المرحلة الرابعة.
أما المرحلة الخامسة والأخيرة فهي التي بدأتْ معي منذ عودتي من
القاهرة حتى الآن ،وفيها استطعتُ أن أجمع كمية هائلة من الكتب كانت إلى وقت قريب
تحتل غرفتين كبيرتين من غرف المنزل ،وصارت ،الآن، تحتل كل الفراغات في البيت و
جزءاً من البدروم الصغير وأجزاء من
السلالم ،وباتت المكتبة مكتظة وبحاجة إلى أن افرَّغ لها كل غُرف المنزل وأعيدُ تصنيفها…بعض الكتب – كما ترى- متراكمة
على بعضها،وصرتُ إذا ما احتجت إلى كتاب أرجع إلى مكتبة مركز الدراسات والبحوث
اليمني (من أهم وأعرق مراكز البحوث في اليمن يمول حكومياُ ومقره صنعاء ويضم مجموعة
من أهم الباحثين والكتاب اليمنيين،ويرأسه الدكتور المقالح)، أو دار الكتب أو المكتبة المركزية لجامعة صنعاء، أو إلى أي
مكتبة تجارية في العاصمة لشراء بعض الكتب التي سبق لي شراؤها .
*ولماذا تأخرت في تنظيمها وفهرستها كل هذا الوقت؟
- لقد شهدت هذه المكتبة مرحلتين للتنظيم، واستفدتُ من خبرة بعض
الزملاء في مكتبة مركز الدراسات، إلا أن التراكم اليومي للكتب جعل من المستحيل
بقاء الترتيب كما كان عليه، وكلما مر الوقت زادت الكتب و زادت الفوضى في عملية
الترتيب .. و لك أن تتصور إنني لا أعود إلى المنزل كل يوم على مدار الأسبوع إلا
بمجموعة من الكتب والمجلات بعضها مهداه والبعض الأخر منها مشتراه... وصندوق بريدي
لا يخلو من الكتب المرسلة من أصدقاء.
* وإلى متى سيستمر وضع المكتبة على هذه الحال؟
- في نيتي أن ابدأ حملة سريعة
لإعادة ترتيب المكتبة وبناء غرفة كبيرة في حوش المنزل لاستيعاب الكتب المشتتة في
الممرات والسلالم ورهن الكراتين... أي إن هذه الحال ستستمر إلى أن أجد المكان
المناسب.
أكبر مكتبة شخصية
* في ظل هذه الحال كيف صارت علاقتك بها واستفادتك منها في الوقت الراهن؟
- علاقة محزنة، وفي وضعها الحالي
لا استفادة منها، واكتفي أحياناً بفتح الباب والنظر من بعيد ثم إغلاق الباب،
وتقتصر علاقتي بالكتب على قراءة الكتب التي أضعها في غرفة نومي، حيث تتكوم آخر
الإصدارات.
* افهم إنه لم يعد يدخل مكتبتك أحدٌ غيرك؟
- منذ عشرين سنة لم يدخل مكتبتي أحد؛ لأنها على درجة عالية من الفوضى؛
فلا أحب أن يشاهدها أحد.
* أي أنه لم يعد أحد يستفيد من
مكتبك الشخصية في الوقت الراهن...؟
- نعم ...وإن كان أحفادي يغِيرون على بعض محتوياتها، واعتقد أنهم
يستفيدون من قراءتها.
* تقديراً .. كم عدد محتويات هذه المكتبة من العناوين؟
- مابين ثلاثين إلى أربعين ألف
كتاب و بلا مبالغة .. هي أكبر مكتبة شخصية في البلد.
* ما أهم محتوياتها؟
- بعض الموسوعات وبعض المخطوطات التاريخية بأقلام أصحابها، فضلاً عن كُتب
قديمة لم يعد أحد يهتم بإعادة طباعتها .. منها أيضاً دواوين لشعراء قدامى لم يسبق
طبعها.كل هذا موجود في المكتبة، وغير مفهرس، وغير مرتب، ومنها كُتبي التي قمت
بإصدارها، وتصل إلى أربعين كتاباً بعضها لا وجود له في هذه المكتبة.
* بالإضافة إلى كُتبك هناك عشرات إن لم تكن مئات الكتب التي قدمت
لها...؟
- هذا صحيح، ولكن لو سألتني عن إمكانية العثور على كتاب أو أكثر من هذه
الكتب التي قدمتُ لها، فإن العثور عليه من الصعوبة بمكان وسط هذا الركام الهائل.
* منذ أكثر من نصف قرن وأنت تتطلع على كل ما يصدر في اليمن وعن اليمن؛ ما
قد يجعل من مكتبتك الشخصية بما تضمه من الكتاب اليمني ربما أكبر وأهم من أي
مكتبة أخرى في هذا البلد...ما يستدعي
الإسراع في تنظيمها وإتاحتها ليستفيد منها الجميع...؟
- لا اعتقد أنها تتجاوز في هذا الاتجاه أي مكتبة يمنية أخرى،ولكن قد يكون
فيها من هذه الإصدارات الكثير مما لم يدخل المكتبات العامة ،لاسيما ما يتعلق منها
بإنتاج المبدعين الشبان الذين يتولون نشر أعمالهم الإبداعية على حسابهم الخاص..
الإشكالية الأساسية في عملية
ترتيب وتنظيم هذه المكتبة ترجع إلى عدم وجود المكان الذي يستوعب هذه العدد الكبير
من الكتب .. وحال توفر المكان، كما سبقت الإشارة؛ سيتم الترتيب والتسجيل المطلوب.
الوثائق والمراسلات
* تحدثنا عن محتويات مكتبتك من العناوين، لكن ماذا عن بقية محتوياتها من
وثائق ورسائل ومخطوطات وصور وكتابات ومذكرات وغير ذلك؟
- هناك الكثير من رسائل الأصدقاء، بالإضافة إلى ما يمكن اعتباره
وثائق عن المرحلة الوطنية، وأغلب هذا النوع من الوثائق مؤرشف ومحتفظ به في مركز
الدراسات والبحوث لتكون في متناول الباحثين ..أما الصور الشخصية فيعود الفضل في
حفظ جزءٍ كبيرٍ منها لجهاز الحاسوب ،بالإضافة إلى أن هناك من الصور ما هو متناثر داخل المجلات والكتب ،مما يستدعي التنقيب عنها
داخل المكتبة ،وإضافتها إلى أرشيف الصور في الحاسوب .
* لكن هناك من يقول انه مازال في المكتبة الشخصية للدكتور المقالح الكثير
من الوثائق الهامة وبخاصة ما تتعلق بالحركة الوطنية اليمنية فقد ربطتك وتربطك
علاقات بكثير من رموزها، بينما لم يخرج منها سوى القليل .. ما رأيك؟
- ربما احتفظتْ المكتبة بصور من بعض الوثائق ذات الأهمية، والأصل موجود
في مركز الدراسات والبحوث اليمني وفي المركز الوطني للوثائق التابع لرئاسة
الجمهورية، حيث يوجد مخزون هائل من وثائق الحركة الوطنية ووثائق الدولة.
* لكن على سبيل المثال فان مراسلاتك مع عدد من الرموز والقادة
والأسماء الكبيرة في داخل اليمن وخارجة لا يمكن اعتبارها، عند كتابة التاريخ أو
دراسته، وثائق شخصية خاصة بل وثائق وطنية...فمتى سيضع الدكتور المقالح مكتبته
ومحتوياتها بعد تنظيمها للاستفادة منها بما فيها الوثائق؟
- يتوقف ذلك كله على وجود المكان المناسب القادر على استيعاب هذا الكم
الهائل من الكتب، مع إيجاد جناح خاص للرسائل والصور المهمة والدروع والأوسمة
والجوائز.
مذكرات المقالح
* أفهم أنه لا يتوفر في مكتبتكم الشخصية، حالياً، من الوثائق والكتابات
والشهادات والمذكرات ما قد يجعلها عرضة لخطر قد يتهددها بأي شكل من قبل أعداء
الحقيقة...؟
- تقصد سرقتها ؟!
* سرقتها أو إتلافها أو تعريضها للحريق أو لأي شكل من أشكال العبث
والإتلاف.
- ذلك لا يخطر على بالي إطلاقاً ..وكان خوفي كله يتركز حول الفئران، وقد
أعددت لها جيشاً من القطط المدربة.(يضحك)
* عرَّضتك بعض كتاباتك المنشورة لمخاطر وصلت حد التكفير والتهديد
بالتصفية ... هل تضم مكتبتك كل كتاباتك في كل مراحل تجربتك المنشور منها وغير
المنشور؟
- ليس كلها، وقد أشرت فيما سبق، أنني تركتُ في القاهرة جزءاً مما كتبته
من شعر ونثر في أثناء إقامتي للدراسة في القاهرة.
* ماذا عن كتاباتك غير المنشورة من قصائد وغيرها من مشاريع كتاباتك في
المراحل السابقة لتلك الفترة وكذلك المراحل التالية وصولاً للمرحلة الراهنة؟
- عندي من قبل الثورة وبعدها وحتى الآن قصائد لم تُنشر لأسباب فنية أو
موضوعية، وربما سأجمعها كما فعل بعضهم وأنشرها تحت اسم
"الموءودات".
* وماذا عن كتابة مذكراتك؟
- عندما كنتُ في القاهرة شرعتُ في كتابة بعض ذكريات مرحلة الشباب، وتوقفت
عن مواصلة الكتابة بعد عودتي إلى الوطن؛ لانشغالي بأمور كانت تبدو لي أهم من تسجيل
الذكريات.
*تقصد الوظيفة العامة؟
- نعم.
* لكن لا اعتقد أنك لم تفكر حتى اليوم بكتابة مذكراتك أو لم تبدأ
بكتابتها؟
- لم أبدأ بعد، وأتحين أقرب فرصة لاسترجاع ما تبقى في الذاكرة
...وأحياناً أقول لنفسي إن قصائدي وفي أعمالي الشعرية الأخيرة "كتاب
صنعاء" ،" كتاب القرية" " كتاب الأصدقاء"، "كتاب
المدن" و"كتاب الأم".. في هذه الكتب الشعرية الخمسة ما يمكن
اعتباره مذكرات أو ذكريات من حياتي.
*لكن يا دكتور اسمح لي ..مهما كانت أهمية تلك الكتب الشعرية فهي لا تغني
القارئ عن مذكراتك التي تسكب فيها خلاصة تجربتك وشهادتك كشخصية وتجربة على درجة
عالية من الأهمية عايشت مراحل هامة من تاريخ اليمن والوطن العربي ...؟
- أتمنى أن يتم ذلك في الفترة القريبة القادمة.
* عودةً على مكتبتك الشخصية ..كيف هي علاقة عائلتك بها ...كيف ينظر أفراد
عائلتك للمكتبة والكتاب ؟
- علاقة منقسمة بين عداء وصداقة ...البعض ينظر إلى الكتب، لاسيما
بعد ازدحامها، نظرة عداء صارمة، والبعض ينظر إليها نظرة صداقة، لاسيما الجيل
الصغير الذي يحب تقليب الكتب وينبهر بكل هذا العدد الكبير منها ..
* تحديداً أبناء الدكتور المقالح؛ كيف هي علاقتهم بالمكتبة والكتاب
والقراءة؟
- ليسوا كلهم على علاقة طيبة بالكتاب .. أما استفادتهم من المكتبة؛
فكانت في فترة دراستهم الجامعية وكانت تجربتهم مع المكتبة مثمرة، فقد أفادتهم في
المرحلة الجامعية، وبعد ذلك صار لكل واحد منهم اشتغاله الخاص وقراءته المنغلقة على
تخصصه.
* زوجتك ... ألا تمثل لها المكتبة بوضعها الراهن مشكلة، خاصة وهي تجد
الكتب تتراكم في كل ركن من المنزل؟
- إنها دائمة الشكوى، و لا يكاد يمر يوم دون أن ترفع صوتها متذمرة
ساخطة، ولكنها لا تجد مناصاً من الرضوخ للأمر الواقع .. وربما حاولت أن أشاركها سخطها
وغضبها على الوضع الحالي للمكتبة وكثيراً ما تقول: هذا قدري.
* قبل ان نختتم هذه المقابلة ... من ستأتمنه على مصير هذه المكتبة
في حال لم يتسن لك إعادة تنظيمها بما يضمن سلامتها وأن يتاح للناس الاستفادة
منها؟
-أحفادي.
* من أهم من زار مكتبتك من أصدقائك من كبار المبدعين العرب واليمنيين؟
- عندما كانت في وضع قابل للزيارة كان من بين من زاروها أدونيس وكمال أبوديب
وعبد الملك مرتاض وعدد كبير من الزملاء والأصدقاء يصعب حصرهم.
* في الوقت الراهن ... كيف ومتى
يقرأ ويكتب الدكتور المقالح؟
- لا يوجد برنامج محدد، ولكن الوقت الذي لا أكتب فيه هو وقت مفتوح
للقراءة، وهو يبدأ من الساعة السابعة مساءً حتى الساعة التاسعة، و من الساعة
الخامسة صباحاً وحتى الساعة التاسعة صباحاً ...هذا وقت القراءة والكتابة، أما الوقت
بين مغادرة المركز وتناول الغداء وهو من الساعة الواحدة ظهراً إلى الساعة الثانية؛
فهو وقت لقراءة الصحف... بالإضافة إلى ذلك فإنه إذا توفرت لي أوقات فراغ من العمل
الروتيني في مركز الدراسات والبحوث فاستغلها في قراءة سريعة، حيث يوجد لي ركن خاص
في مكتبة المركز.
* أخيراً: ما الذي يتذكره الدكتور المقالح من نوادر تتعلق بهذه المكتبة؟
- هل تُعتبر نادرة أن تبحث عن كتاب معين، وبعد أن تيأس من العثور عليه
تذهب إلى إحدى المكتبات وتشتريه، وعندما تعود إلى المنزل، وتمر على المكتبة فتجده
أمامك كأنه في انتظارك ؟!. (يضحك).
* نشرت المقابلة عام 2008 في مجلة دبي الثقافية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق